مولده ونشأته: هو سيدنا أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحى. ولد بالمدينة سنة ٩٥ هـ ونشأ بها وتفقه وتعلم عن ربيعة الرأى سنة ١٣٦ هـ وتعمق في علوم الدين حتى صار حجة في الحديث وإماما في الفقه، نوّر الله قلبه وفتح عليه فتحا مبينا ورقاه وملأ قلبه إيمانا وورعا وتقوى وإخلاصا، وأدّبه فأحسن تأديبه، وقال الحق، وخشى ربه، وحارب البدع، ونازع الملحد وحاربه.
فتاويه وتأليفه: قيل إنه أفتى بخلع المنصور ومبايعة محمد بن عبد الله من آل على. فأحفظ ذلك جعفر بن سليمان عم الخليفة وأمير المدينة فجرّده وضربه سبعين سوطا، فما ازداد إلا علاء وشرفا، ولما علم المنصور بذلك اعتذر إليه وترضاه، وقال له: لم يبق في الناس أفقه منى ومنك، وقد شغلتنى الخلافة، فضع للناس كتابا ينتفعون به. وتجنب رخص ابن عباس، وشدائد ابن عمر، وشواذّ ابن مسعود، ووطئه للناس توطئة. فصنف (الموطأ) وسمعه عليه المهدى. ثم الرشيد سنة ١٧٤، وتظهر عليه حلل النعمة وثياب العزة وأبهة العلم ووقاره، وبقى مشرقا لنور العلم، وقبلة لرواة الحديث، وعمدة للفتوى حتى أتاه اليقين بالمدينة سنة ١٧٩ هـ.
أخى: تأمل في حادثة الإمام مالك مع أبى جعفر المنصور يحكم بعزله، ولكن يقدمه عنه التبريز في التأليف وبلوغ قمة المجد والشرف والعز، ويصبح الإمام مالك صاحب مذهب ومجتهدا علامة يعمل بآرائه ملايين المسلمين من لدن ظهوره إلى الآن، بل ما دامت الدنيا لن يفنى العاملون بمذهبه، ولن يضل متبعوه، ولن يذل أو يضل المهتدون بهديه.
علمه وفضله: كان مالك من حجج الله على خلقه، لا يحدث إلا عن صحة، ولا يروى إلا عن ثقة؛ قد توفر حظه من السنة، فبنى مذهبه عليها، وانفسح ذرعه في الفقه، فانتهت إليه الفتوى وهو القائل عن نفسه (قلّ رجل كنت أتعلم منه ما مات حتى يجيئنى ويستفتينى) وله كتاب الموطأ في الحديث وهو أساس المذهب.
ولما جاء ولى عهد المنصور (المهدى) حاجا سمعه منه، وأمر له بخمسة آلاف دينار وبألف لتلاميذه. ثم رحل إليه الرشيد وأولاده ليسمع موطأه فسمعه وأغدق عليه.
صفته وأخلاقه: كان مالك أشقر شديد البياض، أصلع، كبير الرأس، حسن البزة، وقورا مهيبا عفيفا سخيا كريما، يشرك أهل العلم في ماله، متصفا بالنبل والتواضع والحب لرسول الله