فالمال إنما وجد لكسب المحامد، وغرس الصالحات، وتشييد المكرمات إذا أنفق بطيب نفس، والله أوجد بني آدم في الحياة ليكد، ويجاهد نفسه، ويعمل صالحاً، فيجازى خيراً كما قال سبحانه: "لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يقول أهلكت مالاً لبدا أيحسب أن لم يره أحد ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة" (١٩ من سورة البلد). (في كبد): تعب ومشقة ومنه المكابدة والإنسان لا يزال في شدائد مبدؤها ظلمة الرحم ومضيقه ومنتهاها الموت وما بعده، وهو تسليمه للرسول عليه الصلاة والسلام مما كان يكابده من قريش (مالاً لبدا): كثيراً لمن أنفق في سمعة أو مفاخرة أو معاداة للرسول (النجدين): طريقي الخير والشر أو الثديين (فلا اقتحم العقبة): أي فلم يشكر تلك الأيادي باقتحام العقبة، وهو الدخول في أمر شديد، والعقبة: الطريق في الجبل استعارها بما فسرها به من الفك والإطعام لما فيهما من مجاهدة النفس، إذ المعنى فلا فك رقبة ولا أطعم يتيماً أو مسكيناً. والمسغبة والمقربة والمتربة: مفصلات، من سغب إذا جاع، وقرب في النسب، وترب: إذا افتقر (وتواصوا): أوصى بعضهم بعضاً بالصبر على طاعة الله تعالى، وبالرحمة على عباده، أو بموجبات رحمته تعالى (ثم كان): عطف على اقتحم لاستقلال الإيمان، واشتراط سائر الطاعات به (الميمنة): اليمين. أهـ بيضاوي ص ٨٢٨.