للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الترهيب من الرياء وما يقوله من خاف شيئاً منه

١ - عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول الناس يُقْضي (١) يوم القيامة عليه رجل استشهد (٢) فأُتِيَ به فعرَّفَهُ (٣) نعمته فعرفها قال فما عملت فيها (٤)؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت. قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال: هو جرئ فقد قيل (٥) ثم أُمر به فَسُحب على وجهه حتى أُلقى في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن فأُتى به فعرفه نعمه (٦) فعرفها. قال فما عملت فيها؟


= رائدهم، وخشيته تعالى مقصدهم ولا يشركون به أحداً في أي عمل قل أو كثر، ولا تتجه النية لمراعاة أي مخلوق مطلقاً، فالثواب لا يوجد إلا إذا كانت النية في العمل لله، وكتاب الله مملوء بهذا الإرشاد. قال الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة).
وقد خاطب الله عز وجل السيد الرسول صلى الله عليه وسلم في محكم كتابه: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين ألا لله الدين الخاص) فأنت تجد أمراً صريحاً باخلاص العبادة له جل وعلا، وقد صرح بذلك في آية أخرى (قل الله أعبد مخلصاً له ديني). فاجتهد أيها المسلم في نظافة الظاهر والباطن وإخلاص النية لمولاك الذي غمرك بالإحسان ومدك بنعمة الوافرة ليسدد الله خطاك في دنياك وتؤجر علي كل أعمالك، وتكون من الذين يعنيهم الله جل وعلا في قوله: (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو مسحن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً).
أي لا أحد أكثر حسنا عند الله ممن فوض أمره لربه وأحسن في أعماله، واتبع سنن الأنبياء والمرسلين.
وقد رأيت في حديث: أن النبى صلى الله عليه وسلم يبشر المخلصين لله بالجنة، وأنهم مصابيح الهدى، نور الحق، ونبراس الصواب: وبهم تزول الفتن، وينقشع الضلال، ويظهر العدل. وفي حديث (٨) ينهى النبى صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يتصدقوا لله، ويعملوا صالحاً لله، يقولوا: هذا لله وللقرابة أو لفلان، فإنما ما كان لغير الله لأثواب له، ويجر إلى جهنم، والعياذ بالله تعالى، وفي حديث ١٣ أن العمل بالشرع يدعو إلى الصلة بربه والاستضاءة بنورالحكمة، وأن الله يلهمه الرشد فينطق بالحكمة، وفي حديث (٢٦) ذلك المحسن الذي نوى أن يجود بشيء فقابله الزانى وهو لا يعلم بحاله، ولكن قبل الله صدقته وأثابه، وكذلك السارق والغنى، وقد حاسبه ربه على نيته، وهى كانت لله، وفي حديث (٢٧) يبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنك إذ نويت التهجد وغلبك النوم فلم تقم أعطاك الله ثواب قيام الليل وأكرمك بالراحة والهناءة.
(١) أي يسأله الله عز وجل ويحاسبه ويحكم عليه بالنار بعد السؤال والحساب.
(٢) قتل شهيداً أي طلب الشهادة بالسير في القتال مع المحاربين المجاهدين في سبيل الله، وهذا ظاهره للناس؛ وبطانه حب الرياء والعظمة، ومدح الناس لشجاعته وهممه العالية، وما كان يريد نصر دين الله في جهاده.
(٣) أي أظهر الله عليه فضله وإحسانه إليه في حياته.
(٤) أي أي شئ عملته لوجه الله جزاء هذه النعم الجليلة.
(٥) أثنى الناس علي بسالته، وهذا ما ينتظره، وهكذا الرجل تغذي بلبان المعارف وفقه في دينه، ولكن كان يحب مدح الناس، وما كان يقصد وجه الله في تعليمه وطلب علمه، وكذا ذلك السري الذي أغناه مولاه وغمره بالمال الوفير، فأنفق للصيت الحسن في الدنيا، ولم يتوحب الله في إنفاقه، ولم يطلب ثوابه، وغره ثناء الناس عليه، ونسى الله أثناء جوده،
(٦) في نسخة: نعمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>