الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور، وأشهد أن لا إله إلا الله بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله ناداه مولاه فزاده إجلالا وإكراما (ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا، ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) فأدّى صلى الله عليه وسلم الأمانة، وبلغ الرسالة، وجاهد في الله حق جهاده، ونطق بالحكمة وفصل الخطاب، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والعاملين بسنته الأبرار الصالحين المتقين.
أما بعد: فيقول الله تعالى (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) ٧٨ من سورة النحل.
ياابن آدم خلقك الله جاهلا لاتعرف شيئا من الحياة، وهيأ لك ثلاثة أمور للفهم والإدراك لعلك تصغى إلى ما ينفعك، وترى ما يقدِّمك، فتحمد الله تعالى على ما وهب لك من كمال العقل.
قال البيضاوي: جهالا مستصحبين جهل الجمادية، سبحانه جعل أداة تتعلمون بها فتحسون بمشاعركم جزيئات الأشياء فتدركونها، ثم تنتبهون بقلوبكم لمشاركاتها ومباينات بينها بتكرّر الإِحساس حتى تتحصل لكم العلوم البديهية، وتتمكنوا من تحصيل المعالم الكسبية بالنظر فيها (لعلكم تشكرون) كي تعرفوا ما أنعم عليكم طورا بعد طور فتشكروه أهـ.
ذكرت هذه الآية استدلالا على أن الإنسان في حاجة إلى البحث وكثرة الاطلاع ليغذي نفسه بلبان العلوم والمعارف ويذكرها بالموعظة الحسنة، ولن أجد نبراسا مضيئا، وسراجا وهاجا ومصباحا منيرا ادعي إلى الهداية والإرشاد، مثل كتاب الله جلّ وعلا، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يهديان الناس إلى المحجة الواضحة، ويبصرانهم مواطن الحجة الناصعة، وجماع الخير كله (الترغيب والترهيب) عكفت على قراءته من سنة ١٣٤٩ من هجرة سيدنا رسول الله