السادس عشر: رمي السيد عبده أو أمته بالزنا يؤجل عذابه حتى يقتص منه في الآخرة: "يوم ينظر المرء ما قدمت يداه" من سورة النبأ. أي أعطاك الله النعم في حياتك وخول لك سبحانه الخدم وسخر لك الحشم لتحمد الله تعالى وتشكره وتحفظ لسانك عن السب، وإلا تسأل يوم القيامة عن حقوق رعايتها. السابع عشر: (لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً) فيه الزجر عن اللعن، وأن من تحلق به لا يكون فيه هذه الصفات الجميلة، لأن اللعنة في الدعاء يراد بها الإبعاد من رحمة الله تعالى، وليس الدعاء بهذا من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم والتعاون على البر والتقوى، وجعلهم كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وكالجسد الواحد، وأن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فمن دعا على أخيه المسلم باللعنة، وهي الإبعاد من رحمة الله تعالى فهو في نهاية المقاطعة والتدابر، وهذا غاية ما يوده المسلم الكافر ويدعو عليه، ولهذا جاء في الحديث الصحيح "لعن المؤمن كقتله" لأن القاتل يقطعه عن منافع الدنيا، وهذا يقطعه عن نعيم الآخرة ورحمة الله تعالى، وقيل معنى: لعن المؤمن كقتله في الإثم، وهذا أظهر، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إنهم لا يكونون شفعاء ولا شهداء" فمعناه لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار، ولا شهداء. فيه ثلاثة أقوال أصحها وأشهرها لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات، والثاني لا يكونون شهداء في الدنيا: أي لا تقبل شهادتهم بفسقهم، والثالث لا يرزقون الشهادة، وهي القتل في سبيل الله، وإنما قال صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا" ولا يكون اللعانون شفعاء، بصيغة التكثير ولم يقل لاعناً واللاعنون، لأن هذا الذم في الحديث إنما هو لمن كثر منه اللعن، لا لمرة ونحوها، ولأنه يخرج منه أيضاً اللعن المباح، وهو الذي ورد الشرع به، وهو لعنة الله على الظالمين، لعن الله اليهود والنصارى، لعن الله الواصلة والواشمة وشارب الخمر وآكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه والمصورين، ومن انتمى إلى غير أبيه وتولى غير مواليه، وغير منار الأرض وغيرهم ممن هو مشهور في الأحاديث الصحيحة. أهـ ص ١٤٩ جـ ١٦ وفي شرح مسلم باب النهي عن السباب. قال النووي: في حديث (المستبان ما قالا) معناه أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار فيقول للبادئ أكثر مما قال له، وفي هذا جواز الانتصار، ولا خلاف في جوازه، وقد تضافرت عليه دلائل الكتاب والسنة، قال الله تعالى: "ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل" (٤١ من سورة الشورى). وقال تعالى: "والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون" (٣٩ من سورة الشورى). ومع هذا فالصبر والعفو أفضل، قال الله تعالى: "ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور" (٤٣ من سورة الشورى). وللحديث المذكور بعد هذا "ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً" واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام كما قال =