للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كتاب البيوع وغيرها]

[الترغيب في الاكتساب بالبيع وغيره]

١ - وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أكل (١) أحدٌ طعاماً قطُّ خيراً (٢) من أن يأكل من عمل يده (٣)،

وإنَّ نبي الله


(١) لم يأكل أحد من بني آدم أكلا أفضل عند الله من أكل اكتسبه من كد يمينه وعرق جبينه وسعيه إلى جلبه من وجوه الحلال.
(٢) خيرا صفة لطعام، وفي رواية الإسماعيل خير بالرفع، وهو جائز صفة لأحد، والمراد بالخيرية كما في الفتح ما يستلزم العمل باليد من الغني عن الناس.
(٣) وفي رواية (ما كسب الرجل أطيب من عمل يديه) رواه ابن ماجه من طريق عمر بن سعد عن خالد بن معدان، وفي فوائد هشام بن عمار عن بقية حدثني عمر بن سعد وزاد (من بات كالا من عمله بات مغفوراً له).
وفي الحديث فضل العمل باليد، وتقديم ما يباشره الشخص بنفسه على ما يباشر بغيره، والحكمة في تخصيص داود بالذكر أن اقتصاره في أكله على ما يعمله لم يكن من الحاجة لأنه كان خليفة في الأرض كما قال الله تعالى وإنما ابتغى الأكل من طريق الأفضل، ولهذا أورد النبي صلى الله عليه وسلم قصته في مقام الاحتجاج بها على ما قدمه من أن خير الكسب عمل اليد، وهذا بعد تقرير أن شرع من قبلنا شرع لنا، ولا سيما إذا ورد في شرعنا مدحه، وتحسينه مع عموم قوله تعالى: (فبداهم اقتده) وفي الحديث أن التكسب لا يقدح في التوكل، وأن ذكر الشيء بدليله أوقع في نفس سامعه أهـ ص ٢١٣ جـ ٤: فتح. وأورد البخاري أن عائشة رضي الله عنها قالت لما استخلف أبو بكر الصديقي، قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي وشغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، وأحترف للمسلمين فيه. قال ابن الأثير: أراد باحترافه للمسلمين نظره في أمورهم، وتمييز مكاسبهم وأرزاقهم، وكذا قال البيضاوي: المعنى أكتسب للمسلمين في أموالهم بالسعي في مصالحهم، ونظر أحوالهم. وقال المهلب: أحترف لهم: أي أتجر لهم في ما لهم حتى يعود عليهم من ربحه بقدر ما آكل أو أكثر، وليس بواجب على الإمام أن يتجر في مال المسلمين بقدر مؤنته إلا أن يطوع بذلك كما تطوع أبر بكر أهـ. رضي الله عنه، خرج تاجراً إلى بصري في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والمهاجرون كان يشغلهم الصفق بالأسواق. وقالت عائشة رضي الله عنها: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمال أنفسهم، فكان يكون لهم أرواح، فقيل لهم لو اغتسلتم أي خدام أنفسهم، وكانوا يروحون إلى الجمعة فأمروا بالاغتسال. وأرواح جمع ريح، وأصله روح، كانوا يعملون فيعرقون، ويحضرون فتفوح تلك الروائح منهم، يعني لو اغتسلتم لذهب عنكم تلك الروائح الكريهة، وفيه ما كان عليه الصحابة من اختيارهم الكسب بأيديهم، وما كانوا عليه من التواضع أهـ. ووقع في المستدرك بسند واه، كان داود زراداً، وكان آدم حراثا، وكان نوح نجاراً، وكان إدريس خياطا، وكان موسى راعياً، وفي العيني. وقال أبو الزهراوية: كان داود عليه السلام يعمل القفاف ويأكل منها. قلت كان يعمل الدروع بنص القرآن. وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يأكل من سعيه الذي بعثه الله عليه في القتال، وكان يعمل طعامه بيده ليأكل من عمل يده. قيل لعائشة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في أهله؟ قالت كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة أهـ ص ١٨٧ جـ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>