للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محرَّما فلا تظالموا (١) يا عبادي: كلكمْ ضالُّ (٢) إلا من هديته فاستهدوني أهدكم.

يا عبادي: كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكمْ. يا عبادي: كلُّكمْ عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي: إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكمْ. يا عبادي: إنكم لن تبلغوا ضرِّي فتضرَّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي: لو أنَّ أوَّلكم وآخركم وإسنكمْ وجنَّكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي: لوْ أن أوَّلكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما نقص من ملكي شيئا. يا عبادي: لو أن أوَّلكم وآخركمْ وإنسكم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني، فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر (٣) يا عبادي: إنما هي أعمالكمْ أحصيها لكمْ، ثمَّ أوفيكمْ إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله عز وجل، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه. قال سعيد: كان أبو إدريس الخولانيُّ إذا حدَّث بهذا الحديث جثا على ركبتيه. رواه مسلم واللفظ له.

ورواه الترمذي، وابن ماجه عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عنه، ولفظ ابن ماجه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى يقول: يا عبادي كلُّكم مذنبٌ إلا من عافيته فأسألوني المغفرة أغفر لكمْ، ومن علم منكم أني


(١) لا تظالموا: أي لا يظلم بعضكم بعضاً.
(٢) قال المازري: ظاهر هذا أنهم خلقوا على الضلال إلا من هداه الله تعالى، وفي الحديث المشهور: (كل مولود يولد على الفطرة) قال: فقد يكون المراد بالأول، وصفهم بما كانوا عليه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم لو تركوا وما في طباعهم من إيثار الراحة والشهوات، وإهمال النظر لضلوا، وهذا الثاني أظهر. قال النووي: وفي هذا دليل لمذهب أصحابنا وسائر أهل السنة أن المهتدي هو من هداه الله، وبهدى الله اهتدى وبإرادة الله تعالى ذلك، وأنه سبحانه وتعالى إنما أراد هداية بعض عباد وهم المهتدون ولم يرد هداية الآخرين، ولو أرادها لاهتدوا خلافا للمعتزلة في قولهم الفاسد: أراد هداية الجميع، جل الله أن يريد ما لا يقع أو يقع مالا يريد. أهـ ص ١٣٤ جـ ١٦.
(٣) البحر من أعظم المرئيات عيانا، والإبرة من أصغر الموجودات، وصقيلة لا يتعلق بها ماء، ولكن هذا تقريب إلى الأفهام: أي لا ينقص شيئاً أصلاً (لا يغيضها نفقة) ويدخل النقص في المحدود الفاني، وعطاء الله سبحانه وتعالى من رحمته وكرمه، وهما صفتان قديمتان لا يتطرق إليهما نقص. أهـ نووي.

<<  <  ج: ص:  >  >>