للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبب هلاك الأمم السابقة

٦ - وعن عائشة رضي الله عنها أن قُريشاً (١) أهَمّهُمْ (٢) شأن المخزومية (٣) التي سرقت فقالوا: من يُكلمُ (٤) فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم قالوا: من يَجْتَرِئُ (٥) عليه إلا أسامة بن زيدٍ حِبَّ (٦) رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمهُ أسامة (٧) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أسامة أتشفعُ في حدٍ من حدود الله؟ ثم قام فاختطب فقال: إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وَايْمُ (٨)

الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت


(١) القبيلة المشهورة.
(٢) أجلبت إليهم هماً، أو صيرتهم ذوي هَمّ بسبب ما وقع منها، يقال أهمني الأمر: أقلقني.
(٣) نسبة إلى مخزوم بن يقظة، واسمها فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد.
(٤) يشفع عنده فيها أن لا تقطع إما عفواً وإما بفداء.
(٥) يقدم بجراءة وثبات: المعنى ما يجترئ عليه إلا أسامة، قال الطيبي: الواو عاطفة على محذوف تقديره لا يجترئ عليه أحد لمهابته. لكن أسامة له عليه إدلال فهو يجرأ على ذلك.
(٦) بكسر المهملة: بمعنى محبوب، وفي ذلك تلميح بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أحبه فأحبه".
(٧) فيه أن الشافع يشفع بحضرة المشفوع له ليكون أعذر له عنده إذا لم تقبل شفاعته. قيل عاذت بأم سلمة: أي استجارت كما في حديث جابر عند مسلم والنسائي، وقيل عاذت بزينت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج عبد الرزاق من مرسل الحسن بن محمد أن عمر بن أبي سلمة قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أي أبه إنها عمتي. فقال لو كانت فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها. ٧٧ - ١٢ فتح.
(٨) والذي نفس محمد بيده، وإنا خص صلى الله عليه وسلم فاطمة ابنته بالذكر لأنها أعز أهله عنده، ولأنه لم يبق من بناته حينئذ غيرها، فأراد المبالغة في إثبات إقامة الحد على كل مكلف، وترك المحاباة في ذلك، ولأن اسم السارقة وافق اسمها عليهما السلام فناسب أن يضرب المثل بها، وفي رواية يونس "قالت عائشة فحسنت توبتها بعد، وتزوجت وكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث كراهة الشفاعة في الحدود.
قال في الفتح في باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان ص ٧٠ جـ ١٢، قال أبو عمرو بن عبد البر: لا أعلم خلافاً أن الشفاعة في ذوي الذنوب حسنة جميلة ما لم تبلغ السلطان، وأن على السلطان أن يقيمها إذا بلغته، وذكر الخطابي وغيره عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذى الناس ومن لم يعرف. فقال: لا يشفع للأول مطلقاً سواء بلغ الإمام أم لا، وأما من لم يعرف بذلك فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام، وتمسك بحديث الباب من أوجب إقامة الحد على القاذف إذا بلغ الإمام، ولو عفا المقذوف وهو قول الحنفية والثوري والأوزاعي، وقال مالك والشافعي وأبو يوسف يجوز العفو مطلقاً، ويدرأ بذلك الحد لأن الإمام لو وجده بعد عفو المقذوف لجاز أن يقيم البينة بصدق القاذف فكانت تلك شبهة قوية. وفي الحديث أيضاً دخول النساء مع الرجال في حد السرقة، وفيه قبول توبة السارق ومنقبة لأسامة، وفيه ما يدل على أن فاطمة عليها السلام عند أبيها صلى الله عليه وسلم في أعظم المنازل، وفيه ترك المحاباة في إقامة الحد على من وجب عليه ولو كان ولداً أو قريباً، أو كبير القدر والتشديد على ذلك، والإنكار على من رخص فيه أو تعرض للشفاعة فيمن وجب عليه، وفيه جواز ضرب المثل بالكبير القدر للمبالغة في الزجر عن الفعل، وفيه جواز الإخبار عن أمر مقدر يفيد القطع بأمر محقق، وفيه أن من حلف على أمر لا يتحقق أنه يفعله أو لا يفعله =

<<  <  ج: ص:  >  >>