للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فلما رأى أنه لابد له من ذلك قال: اسقيني كأساً من الخمر، فسقتهُ كأساً من الخمر فقال: زيديني، فلم تزل حتى وقعَ عليها (١) وقتل النَّفْسَ، فاجتنبوا الخمر فإنه والله لا يجتمعُ إيمانٌ وإدمانُ الخمر في صدر رجلٍ وليوشكن أحدهما يُخْرِجُ صاحبهُ" رواه ابن حبان في صحيحه واللفظ له، والبيهقي مرفوعاً مثله، وموقوفاً وذكر أنه المحفوظ.

٣٠ - وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن آدم لما أُهْبِطَ (٢) إلى الأرض قالت الملائكة: أيْ ربِّ أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لكَ (٣)

قال: إنِّي أعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ. قالوا: ربنا نحن أطوع لك من بني آدم، قال الله لملائكته: هَلُمُّوا (٤) مَلَكَيْنِ مِنَ الملائكةِ، فننظر كيف يعملان؟ قالوا: ربنا هاروت وماروت. قال: فاهبطا (٥) إلى الأرض، فتمثلت لهما الزهرةُ (٦) امرأةً من أحسن البشر، فجاءاها، فسألاها نفسها، فقالت: لا واللهِ حتى تتكلما بهذه الكلمةِ من الإشراكِ، قالا: والله لا نُشركُ بالله أبداً،


(١) أي جامعها وارتكب الفاحشة، وقتل الغلام، لماذا؟ لأنه سكر فغاب عقله فشابه المجنون ففعل المعاصي، ولم يدر. فكذلك شارب الخمر عرضة لفعل ما يغضب الله ولا يعي، ومن ذا طلب صلى الله عليه وسلم من أمته أن تبتعد عن شرب الخمر قليلها وكثيرها، ثم أقسم صلى الله عليه وسلم بعدم اجتماع هذين الضدين:
(أ) الإيمان.
(ب) إدمان. فالإيمان إذا عمر القلب أثمر بالاستقامة فلا إدمان، وأما إذا شرب الإنسان زال الإيمان.
(٢) أنزله الله الدنيا.
(٣) تعجب من أن يستخلف لعمارة الأرض وإصلاحها من يفسد فيها، أو يستخلف مكان أهل الطاعة أهل المعصية، واستكشاف عما خفي عليهم من الحكمة التي بهرت تلك المفاسد وألفتها، واستخبار عما يرشدهم، ويزيح شبهتهم كسؤال المتعلم معلمه عما يختلج في صدره، وليس باعتراض على الله تعالى جلت قدرته، ولا طعن في بني آدم على وجه الغيبة، فإنهم أعلى من أن يظن بهم ذلك لقوله تعالى: "بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون" (٢٦ - ٢٧ من سورة الأنبياء). وإنما عرفوا ذلك بإخبار من الله تعالى، أو تلق من اللوح، أو استنباط عما ركن في عقولهم أن العصمة من خواصهم. أهـ. بيضاوي.
(٤) أقبلوا وانظروا، واختاروا ملكين.
(٥) أنزلا.
(٦) كوكب وضاء في السماء تشبه بغادة حسناء فاشتاقت نفساهما إلى مداعبتها، شأن الطباع البهيمية لأنهما تجردا من عالم الملائكة إلى عالم البشر فعلقت الزهرة رضاها على الكفر، مهراً لها وأجراً، فأبيا، ثم عادت وطلبت قتل غلام فأبيا، ثم رجعت ثالثة ومعها كوبة خمر فشربا فذهب عقلهما فارتكبا الفاحشة وقتلا الغلام وذلك من شرب الخمر وبَيَّنَ صلى الله عليه وسلم أنها أم الخبائث ومفتاح كل شر.

<<  <  ج: ص:  >  >>