للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكنت أحلب لهما في إنائهما، فإذا أتيتهما، وهما نائمان قمتُ حتى يستيقظا، فإذا استيقظا شربا، فإن كنتَ تعلمُ أني فعلتُ ذلك رجاء رحمتكَ، وخشية عذابك، فافرج عنا، فزال ثلث الحجر، وقال الثالث: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرتُ أجيراً يوماً، فعمل لي نصف النهار، فأعطيتهُ أجراً، فَسَخِطَه (١)

ولم يأخذهُ، فوفرتها عليه حتى صار من كل المال، ثم جاء يطلب أجرهُ، فقلتُ: خذ هذا كلهُ، ولو شئت لم أُعْطِهِ إلا أجرهُ الأول، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك رجاء رحمتك، وخشية عذابك فافرج عنا، فزال الحجرُ، وخرجوا يتماشون" رواه ابن حبان في صحيحه.

٢٨ - وعن أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ (٢) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحقُّ الناس بُحسنِ صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم مَنْ؟ قال: أمك. قال: ثم مَنْ؟ قال: أمك. قال: ثم مَنْ؟ قال: أبوك" رواه البخاري ومسلم.

٢٩ - وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "قَدِمَتْ على أمي، وهي مُشركةٌ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم


(١) فسخطه كذا (د وع ص ١٥٧ - ٢) وفي (ن ط): فتسخطه، أي غضب عليه وكرهه. سخط من باب طرب وفيه ادخار صالح الأعمال عند الشدائد يتوسل بها إلى الله، وكذا محبة الأولياء من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها إلى الله رجاء فك الكروب وتيسير الأمور، رضي الله عنهم وأرضاهم ونفعنا بالصالحين.
(٢) هو جد بهز بن حكيم. قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأم أمثال ما للأب من البر، قال وكان ذلك لصعوبة الحمل، ثم الوضع، ثم الرضاع، فهذه تنفرد بها الأم وتشقى بها، ثم تشارك الأب في التربية، وقد وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين" من سورة لقمان. فسوى بينهما في الوصاية وخص الأمور الثلاثة، وقال القرطبي: المراد أن الأم تستحق على الولد الحظ الأوفر من البر وتقدم في ذلك على حق الأب عند المزاحمة. وقال عياض: وذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب. أهـ.
وقد رتب صلى الله عليه وسلم في حديث: "أمك وأباك ثم أختك وأخاك ثم أدناك أدناك" أي تقدم القرابة من ذوي الرحم. وأخرج أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث عائشة: "سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ قال زوجها، قلت فعلى الرجل قال أمه" أهـ. فتح ص ٣١٠ جـ ١٩ من كتاب الأدب باب البر والصلة، وفسر الأدب باستعمال ما يحمد قولاً أو فعلاً وعبر بعضهم عنه بالأخذ بمكارم الأخلاق، وقيل تعظيم من فوقك، والرفق بمن دونك.

<<  <  ج: ص:  >  >>