للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البخاري ومسلم والترمذي، ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث عائشة وحدها، وابن ماجة أيضاً وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة.


= الجار على الجار أن يعلمه ما يحتاج إليه، والله أعلم. واسم الجار يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو والغريب والبلدي والنافع والضار والقريب والأجنبي والأجنب وأراد الأبعد، وله مراتب بعضها أعلى من بعض؛ فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها ثم أكثرها وهلم جرا إلى الواحد، وعكسه من اجتمعت فيه الصفات الأخرى كذلك فيعطى كل حقه بحسب حاله وقد تتعارض صفتان فأكثر فيرجح أو يساوى. وقد حمله عبد الله بن عمرو أحد من روى الحديث على العموم فأمر لما ذبحت له شاة أن يهدى منها لجاره اليهودي أخرجه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وحسنه، وقد وردت الإشارة إلى ما ذكرته في حديث مرفوع أخرجه الطبراني من حديث جابر رفعه "الجيران ثلاثة جار له حق وهو المشرك له حق الجوار، وجار له حقان وهو المسلم له حق الجوار وحق الإسلام، وجار له ثلاثة حقوق مسلم له رحم وله حق الجوار والإسلام والرحم".
قال القرطبي: الجار يطلق ويراد به الداخل في الجوار ويطلق ويراد به المجاور في الدار وهو الأغلب، والذي يظهر أن المراد به في الحديث الثاني، لأن الأول كان يرث ويورث. فإن كان هذا الخبر صدر قبل نسخ التوريث بين المتعاقدين فقد كان ثابتاً فكيف يترجى وقوعه، وإن كان بعد النسخ فكيف يظن رجوعه بعد رفعه فتبين أن المراد به المجاور في الدار.
وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة: حفظ الجار من كمال الإيمان، وكان أهل الجاهلية يحافظون عليه ويحصل امتثال الوصية به لا بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة كالهدية والسلام وطلاقة الوجه عند لقائه وتفقد حاله ومعاونته فيما يحتاج إليه إلى غير ذلك وكف أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسية كانت أو معنوية، وقد نفى صلى الله عليه وسلم الإيمان عن من لم يأمن جاره بوائقه وقد تقدم. وهي مبالغة تنبئ عن تعظيم حق الجار، وأن أضراره من الكبائر قال: ويفترق الحال في ذلك بالنسبة للجار الصالح وغير الصالح، والذي يشمل الجميع إرادة الخير له وموعظته بالحسنى والدعاء له بالهداية وترك الإضرار له إلا في الموضع الذي يجب فيه الإضرار له بالقول والفعل، والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم وغير الصالح كفه عن الذي يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه ويبين محاسنه والترغيب فيه برفق، ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرفق أيضاً ويستر عليه زلله عن غيره وينهاه برفق، فإن أفاد فيه وإلا فيهجره قاصداً تأديبه على ذلك مع إعلامه بالسبب فكيف. أهـ ملخصاً ص ٣٤٠ جـ ١٠
وأراد البخاري في باب حق الجوار في قرب الأبواب عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال إلى أقربهما منك باباً" قال في الفتح: أي أشدهما قرباً، قيل الحكمة فيه أن الأقرب يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوف لها بخلاف الأبعد، وأن الأقرب أسرع إجابة لما يقع لجاره من الملمات ولاسيما في أوقات الغفلة. قال ابن أبي جمرة: الإهداء إلى الأقرب مندوب، لأن الهداية في الأصل ليست واجبة فلا يكون الترتيب فيها واجباً. ويؤخذ من الحديث أن الأخذ في العمل بما هو أعلى أولى، وفيه تقديم العلم علىلعمل، واختلف في حق الجوار فجاء عن علي رضي الله عنه: "من سمع الندار فهو جار" وقيل: "من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار" وعن عائشة: "حد الجوار أربعون جاراً من كل جانب" وعن الأوزاعي مثله، وأخرج البخاري في الأدب المفرد مثله عن الحسن. أهـ ص ٣٤٤ جـ ١٠
آيات الترغيب في إكرام الجار والترهيب من إيذائه:
أولاً: قال تعالى: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى =

<<  <  ج: ص:  >  >>