(٢) بما وسعت: أي برحبها لإعراض الناس عنهم بالكلية، وهو مثل لشدة الحيرة "وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" (١١٨ - ١١٩ من سورة التوبة). (أنفسهم): أي قلوبهم من فرط الوحشة والغم بحيث لا يسعها أنس ولا سرور (وظنوا): وعلموا أن لا نجاة من سخط الله إلا إلى استغفاره، ثم تاب عليهم بالتوفيق للتوبة، أو أنزل قبول توبتهم ليعدوا من جملة التائبين، أو رجع عليهم بالقبول والرحمة مرة بعد أخرى ليستقيموا على توبتهم، سبحانه تواب لمن عاد وأناب رحيم منعم عليهم بالنعم ومتفضل (اتقوا الله) فيما لا يرضاه، وخافوه وأدوا أوامره (مع الصادقين): في إيمانهم وعهودهم، أو في دين الله نية وقولاً وعملاً، أو في توبتهم وإنابتهم. لقد رأيت صدق سيدنا كعب؛ حفظ له الإيمان وسهل له التوبة ورحمة الله ورضوانه، وهكذا يكون الثبات على الحق والصبر وانتظار فرج الله والأمل في الخير والرجاء في الطاعة وحسن الامتثال. يهجره رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين ليلة فيزداد تلهفاً وشغفاً بأخباره وتطلعاً لأوامره وشوقاً لحديثه وهياماً في محادثاته والنظر إليه والتأني وعدم الذهاب إلى الأعداء. (٣) فلا تعاتبوهم. (٤) ولا توبخوهم. (٥) مثل النجاسة لا ينفع فيهم تطهير أو تأنيب، وهذه علة الإعراض وترك المعاتبة: أي قلوبهم قاسية لا يؤثر فيها لوم أو زجر، ويقصد من المعاتبة التطهير والإنابة إلى الله. (٦) بحلفهم فتستديموا عليهم ما كنتم تفعلون بهم: أي فإن رضاكم لا يستلزم رضا الله سبحانه وتعالى، ورضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كانوا في سخط الله وبصدد عقابه، وإن أمكنهم أن يلبسوا عليكم لا يمكنهم أن يلبسوا على الله فلا يهتك سترهم، ولا ينزل الهوان بهم، قال تعالى: "إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" (٩٣ - ٩٤ من سورة التوبة).