للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب شديد سواد


= قال ابن بطال: فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص. فإن قيل الإيمان في اللغة التصديق. فالجواب أن التصديق يكمل بالطاعات كلها، فما ازداد المؤمن من أعمال البر كان إيمانه أكمل، وبهذه الجملة يزيد الإيمان، وبنقصانها ينقص. فمتى نقصت أعمال البر نقص كمال الإيمان، ومتى زاد الإيمان كمالا. هذا توسط القول في الإيمان. وأما التصديق بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا ينقص أهـ.
قال عبد الرزاق: سمعت من أدركت من شيوخنا وأصحابنا: سفيان الثورى، ومالك بن أنس، وعبيد الله بن عمر والأوزاعى، ومعمر بن راشد، وابن جريج، وسفيان بن عيينة يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وهذا قول ابن مسعود وحذيفة والنخعى والحسن البصرى وعطاء وطاوس ومجاهد وعبد الله بن المبارك، فالمعنى الذى يستحق به العبد المدح، والولاية من المؤمنين هو إتيانه بهذه الأمور الثلاثة.
أولا: التصديق بالقلب. ثانيا: الإقرار باللسان. ثالثا: العمل بالجوارح. وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أنه لو أقر وعمل على غير علم منه ومعرفة بربه لا يستحق اسم مؤمن، ولو عرفه وعمل وجحد بلسانه وكذب ما عرف من التوحيد لا يستحق اسم مؤمن، وكذلك إذا أقر بالله تعالى وبرسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولم يعمل بالفرائض لا يسمى مؤمنا بالإطلاق، وإن كان في كلام العرب يسمى مؤمنا بالتصديق، فذلك غير مستحق في كلام الله تعالى لقول الله عز وجل: (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زداتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. أولئك هم المؤمنون حقا) فأخبرنا سبحانه وتعالى أن المؤمن من كانت هذه صفاته. قال المهلب: الإسلام على الحقيقة هو الإيمان الذى عقد القلب المصدق لإقرار اللسان الذى لا ينفع عند الله تعالى غيره أهـ.
فالإيمان: التصديق الباطن، والإسلام: الاستسلام، والانقياد الظاهر، وحكم الإسلام في الظاهر ثبت بالشهادتين، وإنما أضاف إليهما صلى الله عليه وسلم الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها، وبقيامه بها يتم استسلامه، وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده، او اختلاله أهـ. من كلام ابى عمرو بن الصلاح رحمه الله. فسائر الطاعات، والأعمال الصاحلة ثمرات للتصديق الباطن الذى هو أصل الإيمان ومقويات ومتممات وحافظات له، والإسلام يتناول التصديق بالباطن، وسائر الطاعات. ويطلق اسم الإيمان على الأعمال، قال (وما كان الله ليضيع إيمانكم) أي صلاتكم. انظر ص ١٤٨ - ١ شرح صحيح مسلم.
قال النووي: اتفق أهل السنة من المحدثين، والفقهاء والمتكلمين على أن المؤمن الذى يحكم بأنه من أهل القبلة ولا يخلد في النار لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادا جازما خالياً من الشكوك، ونطق بالشهادتين، فإن اقتصر على إحداهما لم يكن من أهل القبلة أصلا إلا إذا عجز عن النطق لخلل فى لسانه. أو لعدم التمكن منه لمعالجة النية، أو لغير ذلك. أهـ وإذا أقر بالشهادتين بالعجمى، وهو يحسن العربية يصير مسلما على الصحيح، وإذا أقرَّ بوجوب الصلاة، أو الصوم أو غيرهما من أركان الإسلام وهو على خلاف ملته التي كان عليها، قال النووي: وجهان لأصحابنا، فمن جعله مسلما قال: كل ما يكفر المسلم بانكاره يصير الكافر بالإقرار به مسلما أهـ.
قال النووي رحمه الله: واعلم أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب ولا يكفر أهل الأهواء، والبدع، وإن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام: أو نشأ ببداية بعيدة ونحوه ممن يخفى عليه، فيعرف ذلك فإن استمر حكم بكفره، وكذا حكم من استحل الزنا أو الخمر أو القتل أو غير ذلك من المحرمات التي يعلم تحريمها ضرورة. والله أعلم بالصواب، وله الحمد والمنة والنعمة وبه التوفيق والعصمة. أهـ ص ١٥٠. =

<<  <  ج: ص:  >  >>