للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خمس صلواتٍ افترضهن الله، من أحسن وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتم رُكوعهن، وسجودهن، وخشوعهن كان له على الله عهد (١)

أن يغفر له، ويأتى في الباب بعده حديث أنس إن شاء الله.


(١) إن الله تعالى تفضل أن يطمئن عبده، ويشرح صدره بضمان غفرانه جل وعلا إذا حافظ على أداء الفرائض. قال تعالى: (ومن أوفى بعهده من الله؟).
الخلاصة: إن الصلاة ركن الدين وعماده المتين، وعنوان الاستقامة، ومثال الكمال، وباب التقوى، ومعين الإخلاص وشمس الهداية، وكواكب السعادة ونور الإيمان ومنبع العرفان ومجلبة الإحسان، ومظهر الإسلام، وهى تنقى صحيفة المسلم من الذنوب كالمستحم في نهر مراراً، وهى تزيل ما اقترفه الإنسان من الخطايا وتغسل أدران المعاصى، وتطفئ نار غضب الرب تبارك وتعالى، ومن حافظ عليها كما أمر الله أوصلته إلى درجة الصديقين، بل سبق نعيمه الشهداء والصالحين، وتتحات خطايا المصلى كما تقع أوراق الشجرة الذابلة البالية المصفرة غير النضرة الخضراء، وقد بشر صلى الله عليه وسلم بالجنة مدة اجتنابه الكبائر، والمحافظة على صلاة الفجر، نضارة، وصحة واستنشاق النسيم العليل، وذلك ما يدعو إلى البهجة، وطول العمر، وزيادة الرزق، والاستظلال برحمة الله ورعايته طول يومه. هذا إلى أن الملائكة تورد أخبار صلاته إلى ربه كاملة تامة، مستوفاة الأجور، والصلاة مطهرة، وداعية إلى النظافة والطيب، وتجميل الهيئة وتكميلها، واتخاذ الزى الحسن، والدثار البديع، والشعار النظيف، ومن صلى جعل له مع الله سهماً ونصيباً في المعاملة مع خالقه وقد أقسم صلى الله عليه وسلم أن الله يجعل له نصيباً من نعيم الآخرة يوم القيامة، على أن الصلاة أول ما يحاسب عليها العباد، وهى عنوان عمله الصالح أو الطالح لأنها أفضل الأعمال عند الله، وقد نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبان (إذا أردت أن تلقانى فأكثر السجود)، وشاهد مطرف، ونفر من قريش صلاة أبى ذر وإتمام ركوعه وسجوده ابتغاء رفع الدرجات، وكذا نصح أبو الدرداء زائره يوسف رضي الله عنهما بحسن الوضوء والصلاة رجاء مغفرة الله.
ويخطب الناس صلى الله عليه وسلم ويدعو إلى صلاة ركعتين بوضوء حسن مفرغاً قلبه ووجهه لربه لينال المصلى الجنة، والصلاة كالجهاد في سبيل الله تعالى: اللهم وفقنا وهب لنا السعادة.
أخى: هذا أبو ذر، وأبو الدرداء، وربيعة بن كعب، وأبو فاطمة يكثرون من الصلاة، وهم في الدين الذروة، والقمة في العمل الصالح، وقد نقل لنا رواة الأدب قلا من كثر أعمال أبى فاطمة، وغيضا من فيض خلاله الحميدة وصفاته المجيدة ومع ذلك يقول له السيد المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن أردت أن تلقانى فأكثر السجود) هؤلاء سحابة فضلاء، والإمام على رضي الله عنه مع جلالة قدره، عظيم عمله يشكو من قلة الزاد ويخاف الله.
أريد أن أنقل لك بهذه المناسبة وصف الإمام على كرم الله وجهه الذى أجاد ضرار وصفه.
قال أبو علي: وحدثنا أبو بكر رحمه الله قال حدثنى العكلى عن الحرزى عن رجل من همدان قال: قال معاوية لضرار الصدائى: يا ضرار، صف لي علياً رضي الله عنه؟ قال: اعفنى يا أمير المؤمنين. قال لتصفنه، قال: أما إذا لابد من وصفه، فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته وكان والله غزير العبرة طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه لهيبته =

<<  <  ج: ص:  >  >>