للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فامتلأ وقعدوا على الشرف (١)، فقال: إن الله أمرنى بخمس كلماتٍ أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن. أُولاهن (٢):

أن تعبدوا الله (٣) ولا تشرِكُوا به شيئاً، وإن مثل من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهبٍ أو ورقٍ (٤)، فقال: هذه دارى وهذا عملى، فاعمل وأد إلىَّ فكان يعمل، ويؤدى إلى غيره سيده، فأيُّكم يرضى أن يكون عبده كذلك (٥)، وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صليتم فلا تلتفتوا (٦)، فإن الله ينصب (٧) وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت، وأمركم بالصيام فإن مثل ذلك كمثل رجلٍ في عصابةٍ (٨) معه صُرةٌ (٩)

فيها مسكٌ فكلهم يعجب أو يعجبه ريحها، وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وأمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك كمثل رجلٍ أسرهُ العدوُّ فأوثقُوا (١٠) يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفدى نفسى منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم، وأمركم أن تذكروا الله، فإن مثل ذلك كمثل رجلٍ خرج العدو في إثرهِ (١١) سراعاً حتى إذا


(١) ازدحموا حتى جلسوا على الأمكنة العالية، وفي حديث ابن عباس: أمرنا أن نبنى المدائن شرفا والمساجد جما. الشرف: التى طولت أبنيتها بالشرف، واحدتها شرفة أهـ نهاية ص ٢١٥.
(٢) في نسخة: أولهن ١٧٥ ع ..
(٣) تجعلون عبادته سبحانه قاصرة عليه لا شريك له في التعظيم والتبجيل والسؤال والرجاء، بيده الخير يفعل ما يشاء.
(٤) فضة.
(٥) يشترى بمال سيده، ويعمل العمل لغيره، وغيره يجبى ثمرة تعبه، وسيده محروم من خيراته: كذلك من يعبد غير الله عمله ضائع، ومحروم من ثواب القادر الصمد.
(٦) أي ائتدوا، ولا تحركوا أعناقكم يميناً أو شمالا، واخشعوا واطمئنوا.
(٧) المراد أن تترى رحمته للذى يحسن الصلاة، ويحفه تعالى برضوانه وإكرامه مدة عدم التفاته في صلاته.
(٨) جماعة.
(٩) شئ يحفظ فيه العطر، والصرة: للدراهم، من صر الصرة شدها، وبفتح الصاد: الصيحة، وهذا مثل لشدة خلوف الصائم، وتغير رائحة فمه، والمسك من الطيب، وتسميه العرب المشموم. قال الشاعر:
فان تفق الأنام وأنت منهم ... فان المسك بعض دم الغزال
قيل: إن المسك من صرة الغزال.
(١٠) شدوها ووضعوا فيها الأغلال، وربطوها في عنقه فأصبح مشلول الحركة مقيدا مغلولا لا حراك له، ولا يمكن أن يدافع عن نفسه، ويذب عن حوضه فسلم نفسه لخصومه، وقدم لهم الفداء بجل ما يملك وجاد بتراثه فنجا وفاز. وكذلك الصدقة تكون سبب العتق من النار والنجاة من العذاب والفوز يوم القيامة وسبب زيادة الرزق وهى حصن من السوء وقلعة منيعة من شرور المجرمين.
(١١) عقبه: يتعقبه عن قرب، ومنه خرج في إثره.

<<  <  ج: ص:  >  >>