(٢) أي خير الطعام وأهنأه ما كان من كسب يد الإنسان بكده وكدحه، ولم يكن استجداء أو تكففاً فيحترف بأي عمل، ويمتهن بأي مهنة لأن الاستجداء يورث المذلة والاستكانة، ويسقط المروءة، ويدعو إلى قلة الأدب. (٣) يصنع الدروع من الحديد لا عن فاقة أو حاجة بل كان ملكاً مملكاً ذا جاه وثروة وسلطان ونبوة فيدع المال ويكد، وضرب مثلاً أعلى للحداد الصانع الماهر، واختار أن يأكل من عرق جبينه، وصنع يده رجاء قبول الأعمال عند الله تعالى، وليقتدي به أبناء الأمة، ويحث على العمل، وكسب الرزق من الطرق المشروعة، ولو أدت إلى اقتحام المخاطر، وركوب متن الأهوال، ويمقت التواكل والبطالة، وكان نبينا يشتغل بالتجارة قبل بعثته، ويعيش من ربحها، وكذلك الصحابة، وعظماء المسلمين من بعده. فقه الدين الإسلامي يدعو إلى إعزاز النفس بالعمل، وحفظها من الامتهان: قد بَيَّنَ أن السائل يوم القيامة يأتي كهيكل عظمي ذهبت نضارته، وضاعت هيبته، وقل حياؤه لأنه كان في حياته وكلاً غير معتمد على ربه كثير الإلحاح ضعيف الإيمان "وليس في وجهه مزعة لحم" قال القاضي: قيل معناه يأتي يوم القيامة ذليلاً ساقطاً لا وجه له عند الله، وقيل: لا لحم عليه عقوبة له وعلامة له بذنبه حين طلب، وسأل بوجهه، وهذا فيمن سأل لغير ضرورة سؤالاً منهياً عنه. أهـ نووي ص ١٣٠ جـ ٧. يقول الله تعالى: "وأما السائل فلا تنهر" أي فلا تزجره، والمراد به المحتاج غير القادر على الكسب، وقد حرم العلماء إعطاء القادر على الكسب صدقة. وإذا قرأت الباب وجدت صفة مشوهة تلزق بالسائل يوم القيامة يعرف بها "كدوح" على أن الله يرزق السائل ضعة ودناءة وطمعاً وشرهاً لعدم تعففه، ثم انظر أعزك الله إلى دستور العمل قوله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" وقد استفاد الصحابة رضي الله عنهم من حكم رسول الله - صلى الله =