في أعلاه، ولا تُغرَّنَّ من قبلك الليلة، فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين، ثم قال: هل أحسستم فارسكمْ؟ قالوا: يا رسول الله ما أحسسناه فثوِّب بالصلاة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي، وهو يلتفت إلى الشعبِ حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبشروا فقد جاء فارسكم، فجعلنا ننظر إلى خلال الشَّجر في الشِّعبِ، فإذا هو قدْ جاء حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشِّعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحت اطَّلعت الشعبين كلاهما فنظرت فلمْ أر أحداً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلْ نزلتَ الليلة؟ قال لا: إلا مصليا أوْ قاضي حاجةٍ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قدْ أوْ جببتَ فلا عليك أن لا تعمل بعدها. رواه النسائي، وأبو داود واللفظ له.
(أوجبت): أي أتيت بفعل أوجب لك الجنة.
= قلوبا فترعرعت وشبت على طاعة الله ورسوله، وطاب غرسه صلى الله عليه وسلم حينما يتلو عليه قوله تعالى: (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنت تعلمون) ٤١ من سورة التوبة (خفافا) لنشاطكم له (وثقالا) عند لمشقته عليكم، أو لقلة عيالكم ولكثرتها، أو ركبانا ومشاة، أو خفافا وثقالا من السلاح، أو صحاحا ومراضا، ولذلك لما قال ابن أم مكتوم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى أن أنفر؟ قال نعم. حتى تنزل: (ليس على الأعمى حرج). فكر في حال المسلمين الآن واقرأ في تاريخ الصدر الأول وتفانيهم لأجل نصر دين الله، وقد قال الإمام علي: (أما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة) وحنين واد بين مكة والطائف حارب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وكانوا اثني عشر ألفاً: العشر الذين حرضوا فتح مكة، وألفان انضموا إليهم من الطلقاء هوازن وثقيفاً، وكانوا أربعة آلاف. فلما التقوا قال رجل من المسلمين كما روى يونس بن بكير عن الربيع بن أنس: (لن نغلب اليوم من قلة) إعجابا بكثرتهم، واقتتلوا قتالا شديداً، فأدرك المسلمين إعجابهم واعتمادهم على كثرتهم فانهزموا حتى بلغ فلهم مكة وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مركزه ليس معه إلا عمه العباس آخذا بلجامه، مه أبو سفيان ابن الحارث، وناهيك بهذا شهادة على تناهي شجاعته. فقال للعباس وكان صيتا صح بالناس، فنادى يا عبد الله يا أصحاب الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة، فكروا عنقاً واحدا يقولون: لبيك لبيك، ونزلت الملائكة فالتقوا مع المشركين. فقال صلى الله عليه وسلم: هذا حين حمى الوطيس، ثم أخذ كفاً من تراب فرماهم، ثم قال انهزموا ورب الكعبة فانهزموا. أهـ بيضاوي ص ٢٧٨. وقال تعالى: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ٢٥ ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ٢٦ ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم) ٢٧ من سورة التوبة.