للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذه المسألة قولٌ ثانٍ؛ قال الشافعيُّ: يقولُ الإمامُ لتاركِ الصلاة: صلِّ. فإنْ قال: لا أصلِّي. سُئِلَ؛ فإنْ ذكَر عِلَّةً بجسمِه (١) أُمِرَ بالصلاةِ على قدرِ طاقَتِه، فإنْ أبَى من الصلاةِ حتى يَخرُجَ وقتُها قتَله الإمامُ، وإنّما يُسْتَتابُ ما دام وقتُ الصلاةِ قائمًا، فيُستَتابُ في أدائِها وإقامَتِها، فإنْ أبَى قُتِلَ ووَرِثه وَرَثَتُه (٢). وهذا قولُ أصحابِ مالكٍ ومذهبُهم، وبعضُهم يروِيه عن مالك (٣).

وروَى محمدُ بن عليٍّ البَجَليُّ (٤)، قال: حدَّثنا يونسُ بن عبد الأعلى، قال: سمِعْتُ ابنَ وَهْبٍ يقولُ: قال مالكٌ: مَن آمَن بالله وصَدَّق المرسلينَ وأبَى أنْ يُصلِّي قُتِلَ (٥). وبه قال أبو ثورٍ وجميعُ أصحابِ الشَّافعيِّ، وهو قولُ مكحولٍ، وحمادِ بن زيدٍ، ووكيع.

ومن حجَّةِ مَن ذهَب هذا المذهبَ أنّ أبا بكرٍ الصديقَ استَحَلَّ دماءَ مانعِي الزّكاة، وقال: والله لأُقاتِلَنَّ من فرَّق بين الصلاةِ والزَّكاةِ. فقاتلَهم على ذلك في جمهورِ الصحابةِ، وأراقَ دماءَهم لمَنْعِهم الزَّكاةَ وإباءَتِهم من أدائِها. فمَن امتنَع من الصلاةِ وأبَى من إقامَتِها كان أحرَى بذلك، ألا ترَى أنّ أبا بكرٍ شَبَّهَ الزَّكاةَ بالصلاةِ، ومعلومٌ أنّهم كانوا مُقِرِّين بالإسلام والشهادةِ، يُوَضِّحُ لكَ ذلك قولُ عمرَ لأبي بكرٍ: كيف تُقاتِلُهم وقد قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمِرْتُ أن أُقاتِلَ


(١) في م: "تحبسه".
(٢) ينظر: الأم للشافعي ١/ ٢٩١، ومختصر المزني ٨/ ١٢٨، والإقناع لابن المنذر ٢/ ٦٩١.
(٣) ينظر: جامع الأمهات لابن الحاجب ١/ ٤٧٥، والإقناع لابن المنذر ٢/ ٦٩١.
(٤) في ق: "الحلبي"، وهو تحريف وهو محمد بن علي البجلي الشافعي، أبو عبد الله القيرواني من فضلاء المغرب الشافعيين، تنظر ترجمته في طبقات علماء إفريقية ٢٧٨، وطبقات الشافعية للسبكي ٢/ ٢٤٢.
(٥) ينظر: البيان والتحصيل ١٨/ ٥٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>