للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناسَ حتى يقولوا: لا إلهَ إلا اللهُ، فإذا قالُوها عَصَموا منِّي دماءَهم وأموالَهم، إلّا بحَقِّها، وحسابُهم على الله"؟ فقال أبو بكرٍ: هذا من حقِّها، والله لو مَنَعُوني عَنَاقًا أو عِقالًا ممّا كانوا يُعْطُون رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتَلْتُهم على ذلك (١).

ولو كفَر القومُ، لقالَ أبو بكرٍ: قد ترَكوا لا إلهَ إلا اللهُ، وصارُوا مُشرِكين. وقد قالوا لأبي بكرٍ بعدَ الإسار: ما كفَرنا بعدَ إيمانِنا، ولكن شَحَحنا على أموالِنا. وذلك بَيِّنٌ في شِعْرِهم؛ قال شاعرُهم (٢):

ألا فاصْبَحِينا قبلَ نائِرَةِ الفجرِ (٣) ... لعَلَّ مَنايانَا قريبٌ وما نَدْرِي

أَطَعنا رسولَ الله ما كان بَيْنَنا ... فيا عجبًا ما بالُ مُلْكٍ أبي بكرِ

فإنَّ الذي سأَلوكمُ فمَنَعْتُمُ ... لكالتَّمْرِ أو أشهَى إليهم من التَّمْرِ

فرأى أبو بكرٍ في عامّة الصحابةِ ومعه عمرُ قتالهَم، وبعَث (٤) خالدَ بن الوليد وغيرَه إلى قتالِ مَن ارْتَدَّ.


(١) أخرجه البخاري (١٣٩٩، ١٣٤٠)، ومسلم (٢٠) من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن عمر رضي الله عنه، ووقع عند البخاري بلفظ: "لو منعوني عناقًا"، ولفظ مسلم: "عقالًا". والعناق: هي الأنثى من ولد المعز التي لم تبلغ سنة.
(٢) وهو الخطيل بن أوس أخو الشاعر المشهور الحطيئة، وهي في تاريخ الطبري ٣/ ٢٤٥ - ٢٤٦، وفي تاريخ دمشق لابن عساكر ٢٥/ ١٦٠، والبداية والنهاية لابن كثير ٦/ ٣١٣، وهذه الأبيات أوردها الشافعي في الأم ٤/ ٢٢٨ دون عزوٍ لقائل معيَّن، ونسبها ابن قتيبة في الشعر والشعراء ١/ ٣١٠، والمبرِّد في الكامل ١/ ٣٠٧ للحطيئة، والبيت الثاني في ديوانه ص ٣٢٩.
(٣) نائرة الفجر: ضوؤه وانفلاقه، والمراد بالنائرة هنا: العداوة والشحناء، مشتقّة من النار، يقال: بينهم نائرة، وسعيت في إطفاء النائرة، أي: في تسكين الفتنة. ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي للأزهري ١/ ٢٤٢، ٢٥٣، والمصباح المنير ٢/ ٦٢٩ (نور).
(٤) في ق: "فسار إليهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>