للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علاج قسوة القلوب]

السؤال

فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إنني أشعر بعدم استقرارٍ من أمري، فساعةً يرق قلبي وأشعر براحةٍ وسعادة، وساعةً يقسو قلبي، فماذا أفعل ليستمر قلبي في رقةٍ وسعادة وشعورٍ بحلاوة إيمان.

جزاك الله خيراً؟

الجواب

هذا هو موضوع الكلمة التي تكلمت فيها، نعم، أقبل على الإيمان والذكر وتلاوة القرآن، وهذا الكلام ليس كلاماً عاماً بل إننا نطالب أن يكون مبرمجاً، وأن يكون الإنسان مرتباً لوقته، ويضع للقرآن نصيباً، ويضع للذكر شيئاً من وقته، بل الأوقات الشرعية في هذا، ويحرص على أن يكون لسانه رطباً بذكر الله عز وجل، وأن يصاحب الأخيار، وأن يبتعد عن الأشرار، وأن يحصن نفسه عن المغريات والشهوات، كل ذلك من الأمور التي يُعالج فيها مرض القلب.

فعليك أيها الأخ السائل أن تقبل على هذه الأمور التي ذكرناها وأن تحذر أمراض القلوب، التي يقع فيها الناس لشهوةٍ عارضة أو شبهة، أو هوى أو شينٍ في القلوب، أو ما إلى ذلك من الأمور التي تحصل.

قسوة القلوب مرض، أصيب به كثيرٌ من الناس: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:٢٢] والمؤمنون قال الله فيهم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:٢] فعلى هذا السائل وغيره أن يسير على ما قلناه وأن يتحرى الحلال الطيب ومجالسة الصالحين، وإذا حصل هناك قصور في المنهج، فإنه يبين لإخوانه، أن يعتنوا بالإيمان، ويعتنوا بالعقيدة والعلم الشرعي، وعمارة القلوب بذكر الله عز وجل وأن لا تضيع أوقاتهم سدىً.

كثيرٌ من الناس يضيعون أوقاتهم سدىً، إن سألته عن الاهتمامات التي يهتم بها بجسمه تجده يجيبك فيها من أول وهلة، وقد يكون متخصصاً وعارفاً لها تماماً، لكن لو يسأل عن آية من كتاب الله، أو حديثٍ من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، أو مسألة علمية تجده قد لا يجيد جوابه.

فالحقيقة أننا بحاجة إلى أن نتواصى في أن نعمر أوقاتنا وأن نرتبها ونضبطها حتى لا تضيع، كثيرٌ من الناس ضاعت أوقاتهم بتتبع أخطاء الآخرين، وكثيرٌ من الناس ضاعت أوقاتهم بمجالسة بعض الإخوة الذي يرفهون عنه ويسلونه ويضحكونه ويمازحونه ويجد عندهم سلوى في تضييع الوقت، ولكن ينبغي أن تروض القلوب على الأمور الجادة؛ العلم، حضور دروس العلماء، أن يكون له وردٌ يومي من القرآن، له وقت يقرأ فيه كتب السلف، في زيارات المشايخ والعلماء، وما إلى ذلك، حتى يسير الإنسان في هذا الدرب، ويبتعد عن الأمور التي يعانيها قلبه.

وهناك قضية مهمة جداً قضية ثبات القلوب، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام، كثير الدعاء بهذه الدعوة: {اللهم يا مقلب القلوب! ثبت قلوبنا على دينك} دعوةٌ عظيمة أيها الإخوة! إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يدعو بهذه الدعوة، وتقول له عائشة: {إني أراك تكثر من هذا الدعاء، فيقول: وما يأمنني يا عائشة وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء}.

نعم، من يأمن على قلبه من العطب، والانحراف، والعياذ بالله لا سيما في هذا الوقت الذي كثرت فيه المغريات والشهوات، ولهذا لا تستبعد حينما ترى أناساً، تراهم اليوم بهيئة الصلاح وتراهم بعد فترة وقد تغيروا.

أيها الإخوة: إن علينا أن نبني أنفسنا وقلوبنا بناءً محكماً، إذا كان الإنسان يريد أن يبني له عمارة سكنية يهتم بالقواعد والأساسات، فكذلك القلوب؛ القلوب التي تربت على اللهو والغفلة والتضييع، هل يظن أنها ستقدم خيراً للأمة والمجتمع؟! حتى القلوب التي تربت على جوانب من الأمور الهشة في التربية، هل يراد، أو هل تستطيع أن تقف أمام عاتيات الانحراف، والشبهات، والأمور التي ترد كثيراً؟!

ولهذا تجد حتى بعض الناس من أهل الخير، قد تجدهم والعياذ بالله، ينكصون على أعقابهم، وهذه مصيبة.

فينبغي أن نكثر من هذا الدعاء العظيم، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.

نعم أمراض الشهوات، فتن، مغريات، وسائل إعلام، صحف، مجلات منحرفة، بث مباشر، أو ما يسمونه، أقمار قد تجلب الفساد للأمة، فعلى المسلم أن يكون على حذر، وأن يحصن نفسه في وقت المغريات، قرناء السوء لا كثرهم الله، الذين يريدون أن يؤثروا على الشباب.

فعلى المسلم أن يحذر من هذه الأمور، وعلى الإخوة الطيبين أن يعلموا إن أرادوا الثبات على هذا الدين فلا مثبت لهم بعد الله عز وجل إلا سلوك الطريق الصحيح والبناء المحكم في التربية، على ماذا ربي؟ على عواطف، واندفاعات، وأمور فكرية وواقعية فحسب! هذه لا تكفي، ينبغي أن نربي على الإيمان والعقيدة، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم مع قلة عددهم، ماذا يسر الله لهم، بأنهم صدقوا في إيمانهم، وهكذا لن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوله، أن يربى الشباب على القرآن، لا يربوا فقط على كتبٍ وافدة، ونحن في هذه البلاد وأقولها من باب التحدث بنعم الله، فليست تزلفاً ولا مجاملة، ولا نفاقاً، ولا تظنوا بأخيكم إن شاء الله هذا الظن: أننا في نعم، حقيقة، ومن أهم النعم وحدة المنهج، نحن في هذه البلاد جماعة واحدة، حمى الله هذه البلاد من الفرقة والخلافات والمشكلات التي عصفت بالمجتمعات الأخرى؛ لأن هذه البلاد على دعوة منذ دعوة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، وإلى دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ومناصرة ولاة الأمر لها، وإلى اليوم وعلماؤنا وولاتنا وشبابنا جماعةٌ واحدة، فلسنا بحاجة أن نتلفت يمنةً أو يسره، أو نستورد مناهج جديدة في الساحة، مع أن الإنسان قد لا يتكلم الآن هل هي حق أو باطل، ولا ينبغي أن يشغل الشباب فيها أنفسهم، بل يحمدوا الله على هذه النعمة، ويثبتوا عليها.

والقصور موجود، الخطأ يرد، وهذه البلاد قد تكون محسودة لهذه النعمة، لكن علينا أن نحذر، وأن نعالج بطرق العلاج الصحيحة، لا أن نسعى لطريق العلاج، بما قد يشق شقاً كبيراً في الأمة يصعب علاجه فيما بعد.