للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة الإيمان]

الحمد لله، يمن على من يشاء من عباده بهدايته للإيمان، أحمده تعالى وأشكره وأستعينه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو الفضل والإحسان، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله المؤيد بالنصر والبرهان، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الموصوفين بقوة الإيمان، والتابعين ومن تبعهم بخيرٍ وإحسان إلى يوم القيام للملك الديان.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله ربكم حق التقوى، وآمنوا به حق الإيمان، تسلموا من الشقاء والخسران.

عباد الله: في غمرة مشاغل الحياة ودوامة الأعمال الدنيوية، وزوابع الأفكار المناهضة للإسلام، المصادمة لأساس الملة، ولبعد كثيرٍ من الناس عن دوحة الإيمان الوارفة، وشجرته الباسقة، وذبول كثيرٍ من المشاعر والأحاسيس تجاه الأصل الذي ينتمي إليه كل مسلم، كان التنبيه على أهم واجب على المكلفين أمراً متعيناً، يجدد العهد به، ويذكي الشعور بأهميته، ويذكر الغافلين عنه، فما أجملها من لحظات مباركة، نعيش من خلالها مع الإيمان، نتفيأ وارف ظلاله، ونقتطف يانع ثماره، ونشم عاطر شذاه، ونرتوي من نميره العذب، وننهل من معينه الزلال، نورده تعريفاً وأهمية، أركاناً وشعباً، واجباً وواقعاً، لنربط الحاضر بالماضي، ونتذكر أقوى سلاحٍ وأمضى قوة، ليعرف أهل الإسلام وهم في مسيرتهم الإسلامية مواطن الضعف من نفوسهم، ويعقد العزم على التمسك بالثوابت والأصول والأسس، التي جاء بها دينهم، مع الأخذ بعوامل التطور والحضارة والإرتقاء.

أمة الإيمان: إن المفهوم الحقيقي للإيمان يتلخص في التصديق واليقين بالله، واستحقاقه للعبادة دون سواه، وأن له الكمال المطلق، فلا يعتريه نقصٌ بوجهٍ من الوجوه، وأن له الأسماء الحسنى والصفات العلى، فالإيمان: قولٌ باللسان واعتقادٌ بالجنان وعملٌ بالجوارح والأركان، هو الإيمان بالأصول الستة المعروفة، وما يتفرع عنها من كل ما يجب على المسلم اعتقاده في حق الله سبحانه، ومن الأمور الغيبية، ومن جميع ما ورد في الكتاب والسنة، فليس الإيمان مجرد التصديق القلبي، ولا الكلام اللفظي، دون عملٍ وتطبيق، فالأعمال هي دليل الإيمان، إذ ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولا بالدعوى والتسمي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.

فالذين يزعمون أن مجرد التصديق كاف في الإيمان، أو مجرد التسمي والتلفظ دون عمل، كاذبون في إيمانهم، مخادعون لأنفسهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:٨ - ٩].

كما أن الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، قال تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:٤].