للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[غفلة الناس عن عبادة الله]

وإنك إذا نظرت إلى كثير من المسلمين في أفعالهم؛ تجد أنهم -والعياذ بالله- كأنهم لم يُخلقوا لعبادة الله، وكأنهم لا يعلمون بل لا يؤمنون، ويتصورون ويُصدقون ويجزمون أن هناك داراً أخرى، وأنهم مُنقلبون إلى الله سبحانه وتعالى، وأنههم سيعودون إليه سبحانه وتعالى.

الناس في غفلة خطيرة عن الله، وفي غفلة عن عبادة الله سبحانه وتعالى.

تتعجب كثيراً حينما يبزغ الفجر!! وتطلع الشمس، ويستعد الناس -جميعاً- كبارهم وصغارهم، شبابهم وشيبهم، نساؤهم ورجالهم، كلٌ يذهب مع الصباح الباكر، لماذا؟ إنهم يتحركون في سبيل الدنيا، فأين العمل لله؟!

مَن مِن هؤلاء أخلص عمله لله عزَّ وجلَّ، وأيقن أنه حينما يخرج لوظيفته، أو لعمله، أو لمدرسته، أو لمتجره، إنما يعمل ابتغاء ما عند الله سبحانه وتعالى، وأنه يقوم بهذا العمل وسيلة في هذه الدنيا يتبلغ بها، ولا يغفل عن الآخرة، ولا يغفل عمَّا أعد الله للمؤمنين من النعيم، وللمخالفين من الجحيم؟!

مَن مِن المسلمين يتصور هذه الأمور؟!

مع الأسف! إنهم ما إن يخرجون إلى أن يرجعوا قرب العصر، وهم في دنيا! من دنيا إلى دنيا، كلامهم في الدنيا، ثم بعد ذلك يرجعون إلى بيوتهم، ويتناولون ما شاء الله لهم، وقد ينام بعضهم عن العبادات العظيمة التي إنما خُلقوا لتحقيقها والقيام بها، ثم بعد ذلك في المساء، كل يجد ويفتح ويبحث، هذا يبحث عن قطعة أرض، وهذا يبحث عن فِيْلاَّ، وهذا يبحث عن سيارة، وهذا يبحث عن مزرعة، وهذا وهذا أين الذين يبحثون عن الدار الآخرة، ويعملون لها؟

أنا لا أُحجِّر على أولئك، ولكن يجب علينا أن نعمل لآخرتنا، وأن نقوم بعبادة ربنا، فالمقام قصير، والحياة أنفاس معدودة، وأيام محدودة.

وكم من الناس نعرفهم من الشباب أو الشيب، جاءتنا أخبار وفاتهم وهم أصحاء في منتهى عافيتهم ونشاطهم؟!

فمن الخطر أن يُصاب المسلم بهذه النهاية وهو غافل عن عبادة الله سبحانه وتعالى.

نسمع عَمَّن يخرج في سيارته فلا يعود، ومن يسافر فلا يرجع، بل ومن يموت وهو على فراشه، فماذا قدَّمنا لعبادة الله عزَّ وجلَّ؟!

أين القلوب من تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى؟!

ألم يقل الله عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:٢١]؟

ألم يقل سبحانه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء:٣٦]، ويقول سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:٢٣]، ويقول جلَّ شأنه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥]، ويقول سبحانه وتعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} [هود:١ - ٢]،ويقول جلَّ وعلا: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٩٢]، ويقول جل وعلا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥].

أليست هذه أوامر؟

وكثير كثير في كتاب الله -عزَّ وجلَّ- الأوامر للقيام بهذه العبادة! فأين قيامنا بعبادة الله سبحانه وتعالى؟!

هل نحن أفضل من خير البرية، وسيد البشرية، الذي كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، يُصلِّي ويتهجد ويبكي ويقرأ القرآن حتى يخرج الدم من رجليه؛ لكثرة القيام والوقوف والعبادة والصلاة، وهو من هو عليه الصلاة والسلام؟! بأبي هو وأمي، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

تقول له عائشة رضي الله عنها: لم تفعل هذا يا رسول الله! -خطاب إشفاق ورحمة- وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ ما هو الجواب العظيم الذي يجب ألا نغفل عنه؟

يقول: {يا عائشة! أفلا أكون عبداً شكوراً!}.

انظروا إلى حقيقة الشكر هنا! وهو القيام بالعبادة، الشكر لله عزَّ وجلَّ إنما هو القيام بعبادته {أفلا أكون عبداً شكوراً} كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه؛ شكراً لله عزَّ وجلَّ.

فهكذا الشكر الحقيقي! ليس شكراً بالقول واللسان مع الإعراض والنسيان، ومع الوقوع في المعاصي والمخالفات الخطيرة، كما هو حال أحسن الناس حالاً اليوم، من يكررون الشكر والثناء لله سبحانه بألسنتهم؛ لكن جانب العمل تجد الجميع مُقصرين فيه.

ومن تمام شكر المنعم جلَّ وعلا: أن تقوم بعبادته، وتقوم بطاعته، ولا تغفل عنه طرفة عين.