للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الذكرى في ظلال القرآن]

أيها الإخوة الأحبة: الحديث في ظلال القرآن له مذاقٌ خاصٌ، وله طعمٌ معين، لأننا يجب علينا أن نكون أهلاً للقرآن، فأهل القرآن الذين يقرءونه ويتدبرونه، ويخشعون في تلاوته، ويعملون بما فيه ويؤمنون بمحكمه ويعملون به، ويؤمنون بمتشابهه، ويحلون حلاله، ويحرمون حرامه؛ هؤلاء هم أهل الإيمان في الحقيقة، فالأمة الإسلامية قد منَّ الله عليها بهذا القرآن الكريم الذي أنزله الله عز وجل هدايةً لها في جميع شئونها وأمورها {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:٩] فالقرآن الكريم كتاب هداية، في أمور العقائد، وفي أمور العبادات، وفي أمور المعاملات، وفي أمور الأخلاق والسلوك، وفي كل أمور الدين والدنيا والآخرة؛ الكتاب الكريم هداية لنا، ولا مصدر للهداية إلا عن طريق هذا القرآن، وهذه حقيقة ينبغي أن نعيها جيداً، وينبغي أن نعتز بها، وينبغي أن نرفعها لا سيما في هذه الآونة التي أخفقت فيها جميع الشعارات، وأصبحت لا تمثل الهداية، ولا تمثل السعادة لمعتنقيها، بل لا يمثل السعادة على الحقيقة والهداية لخيري الدنيا والآخرة إلا هذا الكتاب الكريم الذي نزل من عند رب العالمين الذي هو أعلم بمصالح الناس، وأعلم بما يصلح لهم في أمور المعاش والمعاد قال سبحانه وتعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:٣٨] {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤] فالله عز وجل خلق خلقه، واعتنى بهم جل وعلا، خلقهم في أحسن تقويم، وكرمهم أحسن تكريم قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:٧٠] ويقول سبحانه وتعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:٤] ويقول جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:٦ - ٨] ويقول جل وعلا: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية:١٣].

فكل ما في الخليقة، وكل ما في الكون في الأرض، والبحر، والجو، والسماء؛ مسخر لخدمة بني آدم، فالله عز وجل خلقنا ورزقنا، وأنعم علينا بالنعم ما ظهر منها وما بطن، وسخر لنا ما في السماوات وما في الأرض، كل ذلك منَّةٌ علينا، وكل ذلك نعمةٌ من الله جل وعلا علينا، فالواجب على العباد أن يشكروا الله، من الذي خلقنا ورزقنا وكلأنا ورعانا وحفظنا بالليل والنهار؟ قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:١٠ - ١٢] من الذي فعل ذلك إلا الله عز وجل؟! من الذي أنعم على العباد بنعم الإيمان والأمن والاطمئنان؟! وغيرهم يخافون، وغيرهم يصابون بالاضطراب، وغيرهم يصابون بالفيضانات والأعاصير والكوارث والحوادث، من الذي حفظهم إلا الله؟!

فوا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحدُ

ولله في كل تحريكةٍ وتسكينةٍ أبداً شاهدُ

وفي كل شيءٍ له أيةٌ تدل على أنه واحدُ

سبحان الله ما أكرمه وأعظمه! ما أحلمه وألطفه! سبحانه ما عبدناه حق عبادته، ينعم علينا؛ فلا نشكر نعم الله عز وجل على الحقيقة، ونخطئ ونذنب؛ فيسترنا ويغفر لنا ذنوبنا قال سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣].

فالحاصل أن حاجة العباد إلى الله، وضرورة التجائهم إلى الله أعظم من ضرورتهم للطعام والشراب والكساء والهواء والدواء، لأنه لا ملجأ من الله إلا إليه، من الذي ينفع إذا حصل الضر، وحصلت الكروب والكوارث والحوادث؟! لا يستطيع الناس أن يدفعوا عنك ضرراً، أو يجلبوا لك نفعاً، وإنما يملك ذلك الله وحده جل وعلا.

وأما غيره فيقول تعالى فيهم: {وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:٣] ويقول تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:١٣ - ١٤] وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:٥ - ٦]

لقد ضل أقوامٌ ألحدوا، وضل أقوامٌ أشركوا، وضل أقوامٌ كفروا، وضل أقوامٌ انحرفوا عن دين الله عز وجل، لقد ذاقوا وتجرعوا تعاسة الدنيا قبل عذاب الآخرة عافانا الله وإياكم.

فيا أيها الإخوة الكرام! إن الحديث في ظلال القرآن حديث له أهمية، ينبغي على أمة الإسلام أن ترتبط بكتاب الله عز وجل دائماً وأبداً قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:٢٩].