للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دروس من التاريخ]

اقرءوا التاريخ أيها المنهزمون من بني جلدتنا؛ لتدركوا أن الحوار مع الآخر يجب أن يُبنى أولاً على الإصلاح من الداخل، حين تمتلئ النفوس محبةً ومودةً وحناناً، حينما توضع الكوابح المرئية، وترسم الضوابط الشرعية لحركة الانفتاح الفكري والثقافي والتربوي والإعلامي المتسارعة، التي لا تعرف التمهُّل؛ فقنوات، وفضائيات، وتقنيات، وشبكات معلومات.

واللهم حوالينا ولا علينا.

يجب أن تُعاد الثقة إلى الذات، ويُعالج الانهزام النفسي لدى كثير من المعنيين في مجالات التربية والثقافة والإعلام، الذين لهثوا وراء عفن الأمم؛ عَبُّوا منها طويلاً، فلم تغنهم، ولم تغن أمتهم فتيلاً ولا نقيراً ولا قطميراً.

وهنا يتأكد تعزيز جانب الحسبة في الأمة، حتى لا تغرق سفينة المجتمع، كما يجب الذب عن أهلها، وعدم الوقيعة بهم، وتضخيم هيناتهم، والكف عن التمادي في اتهامهم، والطعون في أعراضهم، في وشايات مأفونة، أو مقالات مغرضة، أو أقلام متشفية؛ فأي شيء يبقى للأمة إذا انتُقصت معالم خيريتها.

أمة الإسلام: حينما تتقاذف سفينةَ الأمة أمواجُ الفتن، فإن قوارب النجاة وصمامات الأمان مرهونة بولاء الأمة لدينها، وتمسكها بعقيدتها، وحينما يدير الغيور نظره في واقع أجيال من المنتسبين إلى أمتنا اليوم، ويرى التبعية والانهزامية أمام تيارات العصر الوافدة، ومبادئ المدنية الزائفة، ويقارن بينهم وبين جيلنا التاريخي الفريد، يدرك كم كانت وقائع تاريخنا المشرق الوضاء، وحوادث سيرتنا العطرة سبباً في عزة الأمة وكرامتها، وبذلها وتضحياتها وإن تنكر فئام من الأمة لمبادئ دينهم ولهثهم وراء شعارات مصطنعة، ونداءات خادعة، لَهُوَ الأرضية الممهدة للعدو المتربص، مما جرأ علوج صهيون على العبث بمقدسات الأمة، وممارسة إرهاب الدولة، بكل ما تحمله من معاني الصلف والوحشية ضد إخواننا في الأرض المباركة فلسطين تحت سمع العالم وبصره.

كما أن من الدروس المستفادة لتحقيق مصالح الأمة: جواز عقد المعاهدات والمهادنات لا الاستسلام والمداهنات.

يا أمة التوحيد والتاريخ: في خضم هذه الظروف الحوالك التي اختلطت فيها المسالك، يتأمل قراء التاريخ ويتساءلون: أين دروس الهجرة وعبرها من شعارات العصر بإنسانيته الزائفة وديمقراطياته المزعومة التي تحسب على دعاتها مغانم، وعلى غيرهم مغارم، في غياب المنهجية الشوروية المصطفوية؟!

أين دروس التاريخ وعبر الهجرة، وأخوة المهاجرين والأنصار من أناس مزقهم التفرق والتشرذم، وأحلوا العداوة والخصام محل المحبة والوئام، وترسبت في سويدائهم الأحقاد، وتأجج في قلوبهم سعير الحسد والبغضاء والغل والشحناء، حتى تمزقت الأواصر، وساد التفكك الأسري والاجتماعي في كثير من المجتمعات؟! فرحماك ربنا رحماك!

اقرءوا التاريخ؛ لتجدوا كم تحتاج العقيدة إلى دولة وسلطان، ينافح عن كيانها، ويذود عن حماها، كما هي منة الله سبحانه على بلاد الحرمين ومدارج الهجرة وأرض التاريخ والرسالة حرسها الله.

ألا فليتيقن دعاة الإصلاح في الأمة أنه لا عقيدة ولا تمكين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بولاية، ولا ولاية إلا بسمع وطاعة؛ لتُدرَأ عن الأمة غوائل الشرور والفتن، وعاديات الاضطراب والمحن.

وفي الميدان التربوي يجب أن يقرأ التربويون تاريخنا؛ ليروا كيف تربى المرء المسلم عبر كافة قنوات التربية على نصرة العقيدة والولاء للقيادة.

وليقرأ التاريخ شبابنا المعاصر الذين خُدع كثير منهم ببريق حضارة مادية أفرزت غزواً في الصميم، تَنَكَّب من خلاله كثير من شباب الأمة طريق الهداية الربانية، وعاشوا صرعى حرب الشهوات، وضحايا غزو التفرق والشبهات، ويبرز ذلك في مجال التشبه والتبعية والتقليد والمحاكاة للغير في كثير من المجالات، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أحمد وأبو داود: {من تشبه بقوم فهو منهم}.

لتقرأ التاريخ وتستلهم دروسَه وعبرَه المرأةُ المسلمةُ المعاصرة؛ لتدرك أن عز المرأة ومكانتها في تمسكها بقيمها ومبادئها حجاباً وعفافاً، واحتشاماً وقراراً، وأن وظائفها ومسئولياتها التربوية والأسرية والاجتماعية في الأمة كبيرة التبعة، عظيمة الجوانب والآثار، لا كما يصورها أعداؤها الذين يوحون إلى أوليائهم ومولياتهم أن الحجاب والعفاف فقدان للشخصية، وسلب للحرية، فأخرجوها دُمية تفتش عن سعادة موهومة، وحرية مزعومة، كان من نتائجها دوس العرض والشرف، والعبث بالعفة والكرامة من ذئاب مسعورة لا ترعى الفضائل، ولا تبالي باقتراف الرذائل.