للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصراع بين الحضارة الإسلامية والحضارة المادية]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، اللهم لك الحمد كله، ولك الشكر كله، وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره، فأهل أنت أن تحمد، وأهل أنت أن تعبد، وأنت على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا فوز إلا في طاعته، ولا عز إلا في التذلل لعظمته، ولا حياة إلا في رضاه، ولا صلاح إلا في هداه، شهدت له بالربوبية جميع مخلوقاته، وأقرت له بالإلهية كل مصنوعاته، تسبح له السماوات وأملاكها، والنجوم وأفلاكها، والأرض وسكانها، والبحار وحيتانها {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [الإسراء:٤٤].

وأشهد أن نبينا وقدوتنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، عليه من ربه أزكى سلام وأفضل صلاة، ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه.

أما بعد:

فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله، فإنها وصيته سبحانه للأولين والآخرين من عباده، فنعم الموصي ونعم الموصى ونعمت الوصية.

بتقوى الله يتحقق تاج السعادة، وفي ظلالها ينال وسام السيادة، وعلى ضوء سناها تحصل الريادة، ومن ذرى عليائها تنطلق دفة القيادة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد:٢٨].

إخوة الإسلام: صلاح البلاد والعباد بدين يحقق مصالح المعاش والمعاد، وإنه عندما تشتد حلقة الظلمات تمس الحاجة إلى من يضيء الدروب، وعندما يطغى جارف التيارات تحتاج الأمة إلى من ينبري لكشف الخطوب، وحينما يعلو الطوفان وتتصارع الأمواج يندر أن تجد من يسبح ضدها، لكن عناية الله وفضله ولطفه ورحمته بعباده تقتضي أن يهيئ لهذه الأمة في كل زمان ومكان من يضيء لها معالم الدروب، ومن يقارع بإذن الله عواتي الخطوب، ويقاوم شدة الأمواج العاتية، ويصارع قوة التيارات الغاشمة، ويجدد لهذه الأمة أمر دينها، فلما علا طوفان الجاهلية الأولى وطغى الشرك والوثنية؛ منَّ الله على هذه الأمة ببعثة النبي المصطفى والحبيب المجتبى، والرسول المرتضى، محمد صلى الله عليه وسلم، وقد حمل لواء الدعوة بعده صحابته الغر الميامين، وتمر القرون وتتتابع السنون وتعيش أمة الإسلام في أوضاعها بين مد وجزر، ولا يزال ولله الحمد والمنة في كل الأعصار والأمصار من هو قائم لله بحجته، منافح عن دينه وملته، واليوم ترسو سفينة الأمة على شاطئ عالمنا المعاصر، حيث علا طوفان الافتتان بالحضارة الغربية، وطغى تيار الحياة المادية، فانبهر كثير من بني جلدتنا، ومن يتكلمون بألسنتنا بما عليه ظاهر القوم، وأصيب كثير من أرباب الفكر والثقافة وحملة الأقلام بالانهزامية الفكرية والخلقية والثقافية، وكثر دعاة جهنم فأكثروا على الرعاع وخدعوا الدهماء بزخرف القول وقشور التقدمية المزعومة والمدنية الزائفة.