للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإخلاص في الأعمال الدنيوية]

السؤال

فضيلة الشيخ! إذا أراد المسلم أن يفعل أمراً من أمور الدنيا، فكيف يخلص لله في عمله؟ وإذا كان هذا العمل يحصل من ورائه أموال، كالأذان، وحفظ القرآن أفيدونا جزاكم الله خيراً؟

الجواب

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور الصحيح، حديث عمر رضي الله عنه، الذي يُعتبر قاعدة من قواعد هذا الدين: {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى} فالأعمال العادية التي يعملها المسلم تكون عبادة من العبادات، إذا قرنتها النية الصالحة.

فالمسلم يستحضر وهو يؤدي العمل الدنيوي، أنه حينما يعمل كل عمل من الأعمال فإنه إنما يعمله ابتغاء ثواب الله عزَّ وجلَّ، هكذا يجب على المسلم أن يَعرف وأن يوقن، كل عمل ينبغي لك أن تنظر مدى موافقته للشرع أو مخالفته، وإذا كان ليس فيه نهي في الشرع ولا أمر، فإن على المسلم أن ينوي فيه النية الصالحة سيؤجر عليه بحمد الله -وقد أسلفتُ لكم الحديث في ذلك- الذي يبين أن عمل المسلم، بل معاشرته لأهله, وهذا عمل مع أنه عمل جِبِلِّي، لا تنفك النفس البشرية عنه، وتحتاج له احتياجها للطعام والشراب ومع ذلك يُؤجر الإنسان عليه، فهذا من فضل الله عزَّ وجلَّ.

فكل عمل من الأعمال عليك -يا أخي في الله- قبل أن تواقعها وتعايشها وأنت في طريقك إليها، عليك أن تستصحب النية الصادقة، والطوية الحسنة، تذهب لعملك ابتغاء ثواب الله عزَّ وجلَّ، تجعل من عملك وسيلة للخير، وللدعوة إلى الله، ووسيلة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسيلة للتذكير والتعاون والتواصي بالحق والصبر، تجعل من عملك الدنيوي عملاً للآخرة، توقن فيه وتؤمن، وتحسن نيتك أنك تريد أن تنفق على أبنائك وعيالك، حتى لا تدعهم عالة يتكففون الناس ففي ذلك عبادة من العبادات.

على المسلم أن يستشعر هذه الأمور: الموظف في وظيفته، والتاجر في متجره، والأستاذ والطالب في مدرستهما، كل يعمل للإسلام عن طريق هذا الثغر.

فعند اصطحاب هذه النية يؤجر الإنسان، وبتركها والتساهل فيها يُعرِّض نفسه لخطر، بل يحرمها خيراً كثيراً.

فالمسألة هذه قد تعود للمسألة الأولى، وهي: أنه إذا صلحت القلوب والنوايا صلحت الأعمال بإذن الله جل وعلا، فالأمور بمقاصدها، كما هو مقرر في قواعد هذه الشريعة الغراء.

والمسألة بالترويض والتدريب والمتابعة والعناية بكثرة العمل الصالح، وحُسنه، وكيفيته السليمة، وتعويد النفس على الخير، وسيرها في طريقه، فإنها تعتاد -بإذن الله- الخير ولا تنفك عنه، أما إذا اعتادت النفوس الشر، وخالطت القلوب المعاصي؛ فإن الإنسان لا يتأثر ولا يهتم، وتشغله دنياه عن أُخراه.

جعلنا الله وإياكم من عبادة المفلحين، إنه جواد كريم.