للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النصر والرفعة من ثمرات الإخلاص]

أمة الإسلام: إن الأمم لا تبني أمجادها إلا على أكتاف المخلصين الذين لا يعرفون إلا الجد والنصح والمثابرة، ولا تشيد حضاراتها إلا بسواعد أهل النزاهة الصادقين الذين لا يعرفون دروب المرائين، ولا يسلكون مسالك المنافقين الذين يتفننون بذلاقة اللسان، والله أعلم بقلوبهم ومقاصدهم، ولا يصدع بنيان الأمة، ويقِّوم أركانها إلا الذين فقدوا الإخلاص لله، والتفاني في نهضة الأمة وتقدمها، وهيهات أن يخلص للأمة، أو يقدم لها نفعاً من لم يخلص لربها ودينها.

إخوة الإسلام: إن الإسلام يرقب بعناية تامة ما يقارن أعمال الناس من نيات، وما يلابسها من مقاصد وإرادات.

وقيمة العمل في الإسلام ترجع إلى نية صاحبه وقصده الذي تمخضت عنه، وإن صلاح النية، وسلامة السريرة، وإخلاص الفؤاد لله رب العالمين يرتفع بمنزلة العمل الدنيوي، فيجعله عبادة متقبلة، وإن فساد النية، وخبث الطوية يهبط بالأعمال الصالحة، فيجعلها معاصٍ خطيرة لا ينال المرء منها بعد التعب والنصب إلا الرد والخسارة.

ألا فليعلم ذلك من أقفرت قلوبهم من الإخلاص، وفسدت ضمائرهم، وباعوا آخرتهم بدنياهم، وفتك الرياء بأعمالهم، وفتكت العلل القاتلة بأجسادهم الناحلة، وتتبعوا محامد الخلق ومنافعهم، وتلمسوا رضاهم وثناءهم؛ ليأكلوا من ورائهم، فصلاتهم وصدقاتهم، وتعلمهم ونفقاتهم، وسائر أعمالهم شابتها شوائب الرياء والسمعة، وسفت عليها سوافل المقاصد الدنيئة، وغلب عليها حزب الظهور والشرف والشهرة؛ وقد سبب ذلك الشقاء والرجوع بالأمة إلى الوراء، ولو كان الإخلاص رائد جميع العاملين، من علماء ومتعلمين، والنصح في الأعمال ديدن كل من ولي أمراً من أمور المسلمين، لما حصل تقصيرٌ في الأعمال، وتضييعٌ في الحقوق، ومماطلةٌ في أداء الواجبات، واتكاليةٌ في القيام بالمعاملات.

فاتقوا الله عباد الله! والزموا الإخلاص لوجه الله تنالوا ثمراته المباركة من النصر والنجاة، والرفعة والهدى، والخير في الآخرة والأولى، وتنجو من الهزيمة والعذاب، والضلال والشقاء، والفضيحة في الدنيا والآخرة.

اللهم ارزقنا الإخلاص لوجهك الكريم، اللهم ارزقنا الإخلاص في أقوالنا وأفعالنا، وجميع تصرفاتنا، وأعذنا من النفاق والرياء المحبط للأعمال يا حي يا قيوم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.