أمة الجهاد والفداء: حينما أُذكر بهذا الواجب في هذه الفترة العصيبة من تاريخ أمتنا، فإنما أريد حث الخطى والهمم، وإلهاب المشاعر وتحريك الأحاسيس، وبعث الأمل في النفوس لا سيما وبوارق الأمل وفلول التفاؤل تبدو في سماء الواقع وأفق الحياة، يقود زمامها ويرفع لواءها شعبٌ مسلمٌ أبيٌ مجاهد في بقعة عريقة من بقاع عالمنا الإسلامي.
شعب آل على نفسه وعاهد ربه أن يسير في طريق الجهاد؛ حتى يفوز بإحدى الحسنيين، لقد وقف هذا الشعب سداً منيعاً أمام عدو لدود، وزحف حقود، يريد أن يستأصل شأفته، ويقضي على عقيدته، ويحل محلها الكفر والإلحاد، أتدرون يا من تتابعون أخبار إخوانكم في العقيدة من هؤلاء؟! إنهم إخوانكم المجاهدون على أرض أفغانستان المسلمة.
أمة الإسلام: إن المسلمين، وإن تباعدت أقطارهم إخوة في العقيدة، تربطهم رابطة الإيمان، وتجمعهم عقيدة الإسلام، كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وإن واجب الأخوة الإسلامية يقتضي أن يهتم المسلم بأمر إخوانه المسلمين، يتابع أخبارهم، ويشاطرهم آلامهم وآمالهم، ويؤدي ما استطاع من جهد ووقت ومال لتحسين أوضاعهم، وإصلاح أحوالهم.
ولقد تعرض إخوانكم في العقيدة في بلد الأفغان الأشم لأبشع عدوان وحشي، وأشرس هجوم إلحادي، وأخطر زحف أحمر تشنه الشيوعية الحاقدة على دينهم وبلادهم، متحدية بذلك مشاعر المسلمين، ومخالفة للأعراف الدولية ومناقضة للحقوق الشرعية، ولقد تحمل إخوانكم الدمار والخراب، والقصف والتعذيب والتهديد بكل ما تعنيه هذه الكلمات من المعاني القاسية، فها هي بلاد الأفغان جبالها وسهولها، مدنها وقراها، قد تخضبت بالدماء وامتلأت بالأشلاء، وها هي سحب الدخان تتصاعد إلى السماء، وهي تحمل في طياتها شكوى الشيوخ والأطفال والأرامل، الذين لا يعلم حالهم إلا الله، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وجباتهم شظايا القنابل، وطلقات المدافع، وقذائف الدبابات، وأزيز الطائرات، وقذائف الأسلحة، حتى قدموا قرابة مليون ونصف مليون قتيل من الأبرياء! وهاجر ما يقارب خمسة ملايين نسمة من الشيوخ، والأطفال، والنساء، والأرامل، والأيتام، والمرضى، والجرحى؛ فراراًُ بدينهم؛ فعاشوا في الملاجئ والمخيمات المتدنية، وهم يقاسون شدة المرض والجوع، وكآبة البعد والغربة، وطوفان الفقر والحاجة، وهاهو فصل الشتاء ببرده القارس، وزمهريره الشديد يظلهم وهم يتقاسمون قطع الخرق لستر عوراتهم، ورغيف الخبز لسد رمقهم، وقطرات الماء لري غليلهم، ومما يزيد أسى المسلم الغيور على دينه أن أيدي الأعداء من مهودين ومنصرين قد امتدت إليهم بطريقة أو بأخرى في غياب المسلمين عن ساحتهم، كما أصبح قرابة مليوني مسلم مشرد بلا مأوى، مساكنهم قمم الجبال وأغوار الكهوف الموحشة.
أما المجاهدون في خنادق القتال وجبهات اللقاء، فإن أوضاعهم تدمى لها القلوب وتقشعر منها الأبدان، بين الخوف والجوع وشدة المؤونة، وتعاقب المتاعب، يقطعون مئات الأميال مشاة حفاة، ومع ذلك كله؛ فلم تلن لهم قناة، ولم تضعف لهم شوكة، ولم تهن لهم عزيمة، صامدون صابرون محتسبون، يبنون بجماجم الرجال سدوداً منيعة لحماية أعراض أمتهم وحرماتها، ويسدون الطريق بجثث الأبرياء أمام الإلحاد والشيوعية التي تريد أن تصل إلى المياه الدافئة في العالم الإسلامي، متخذة أفغانستان معبراً لها، وها هم المجاهدون يسكبون دماءهم كي ترتفع راية الإسلام، وتبقى دوحة العزة والأمان.
قد سطروا بدمائهم الزاكية وأشلائهم المتمزقة عبارات المجد والعزة والقوة، مرت عليهم ثمانية أعوام عجاف وهم على هذه الحالة المبكية، وهاهم يستقبلون بعد أيام قلائل دخول العام التاسع على هذا الاحتلال الغاشم، فماذا قدم المسلمون في كل مكان لنصرة إخوانهم في العقيدة، الذين أحيوا بجهادهم واستبسالهم أمجاد المسلمين الأوائل، في بدر واليرموك والقادسية وحطين وعين جالوت؟ فأين القلوب الرحيمة؟! وأين النفوس الأبية؟! وأين الرحمة الإنسانية والشفقة الأخوية؟!
أين الشعور برابطة الإيمان والإحساس بأخوة الإسلام؟!