الحمد لله الذي علم الإنسان ما لم يعلم، الملك العلي الأعلى، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى، وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى، فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى.
أحمده تعالى وأشكره، وأستعينه وأستهديه وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً أرجو بها النجاة من أهوال يوم القيامة، يوم يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الهادي البشير، والسراج المنير، أرسله الله إلى الناس كافة؛ بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون، فبلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وترك الناس على النهج القويم، والصراط المستقيم على أبيض محجة، وأنصع رسالة، وأقوم سبيل، فصلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه ودعا بدعوته إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا كل ما يجلب سخط الله جلَّ جلاله؛ من الوقوع في معاصيه والتقصير في طاعته.
أمة الإسلام: لقد عشتم قبل أيام قليلة، مناسبة عظيمة في الإسلام، مع آثارها الإيجابية على الفرد، وعلى المجتمع، بل وعلى الأمة بأسرها، إذا أديت على الوجه الشرعي والسنن النبوي، ألا وهي مناسبة الحج إلى بيت الله الحرام، تلك المناسبة التي مرت بنا والتي يجود الله فيها على عباده، ويباهي بهم ملائكته، ويغفر زلاتهم، ويتجاوز عن سيئاتهم، ويرفع درجاتهم، ويبيض صفحاتهم، ويعيدهم من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم.
لقد مرت هذه المناسبة على المسلمين، ولكن ويا للأسف! لم تؤثر في حياة كثيرين منهم، ولم يستفهموا منها معانيها السامية، ومنافعها العظيمة، وآثارها الإيجابية.
وليست هي المناسبة الوحيدة التي مرت، فقد مرت وتمر بنا دائماً مواسم الخير، ومناسبات الجود والرحمة، فلا تحرك فينا ساكناً، ولا تلين قاسياً؛ نتيجة ضعف الإيمان، وقسوة القلوب، وغفلة الضمائر، وموت الأحاسيس، وسوء الفهم في التطبيق لهذه الشعائر العظيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
إن الصلوات الخمس، والزكاة المفروضة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام من أعظم ما يصقل القلوب، ويجلوها مما ران عليها؛ من ظلمات الذنوب والمعاصي، ولكن: ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ.