للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رحلة الصراع بين الحق والباطل]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونثني عليه الخير كله، ونستلهمه الرشد والتوفيق لخيري الدنيا والآخرة، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله؛ سيد الأنام، وبدر التمام، حطَّم الله به الأصنام، وأظهر به الشريعة وأبان الأحكام، وحرَّم الخبائث والآثام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله السادة الأعلام، وأصحابه البررة الكرام، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون! اتقوا الله -تبارك وتعالى- فإن تقواه سبحانه العروة التي ليس لها انفصام، والجذوة التي تستضيء بها القلوب والأفهام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد:٢٨].

أمة الإسلام! إنه منذ أن بزغ فجر الإسلام المشرق، وانبثق نور الإيمان المتلألئ الوضَّاء، وهو يلقى من أعداء الإسلام صنوفاً من التحديات، وألواناً من الهجمات، تمثل الصراع بين الحق والباطل في معركة دائمة، متنوعة الصور والأساليب، ترمي إلى الظهور حيناً، وإلى الخفاءِ أحياناً أخرى وتتنوع، ساخنة تارة، وباردة أخرى، عسكرية مرة، وفكرية وخلقية مرات شتى، بمكر وتآمر، وحقد وعداء سافر، يريدون القضاء على الإسلام وأهله، وتمزيق وحدتهم، واستئصال شأفتهم، وتدمير قوتهم، وإزالة دولتهم، وإلغاء هويتهم، والإستيلاء على مُقَدراتهم.

ولن يهدأ لهم بالٌ، ولن يقر لهم قرار، ولن تلين لهم قناة، مادام للإسلام كيان، وما دامت للمسلمين صولة وجولة، حتى يُطفئون هذا النور ويقضوا على أهله، وكل ما يمت له بصلة قضاء مبرماً، اسمعوا إلى قول الحق تبارك وتعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:٢١٧]، {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠]، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:٣٢].

إخوة العقيدة! لقد ملئ الإسلام عبر تأريخه المجيد، بما لا يُعد ولا يحصى من الدسائس والمؤامرات، على اختلاف الطرق والشعارات، وتباين الأقطار والنزعات، وفي هذا العصر نرى ونسمع دروباً من الغزو العسكري والفكري والأخلاقي، وصنوفاً من الحروب النفسية، والعدوان المادي، فالأعداء لم يكفوا ولن يكفوا ولا يزالون ماضين إلى أهدافهم الخبيثة بوسائل جديدة، وأنواعٍ من التحديات، وضروبٍ من نشر الشهوات والشبهات، وألوانٍ من المفتريات، ولم يكتفوا بالكلام، بل انتقلوا إلى التحدي السافر، والهجوم الشرس، والتدخل القذر، والعمل السافل، وكان أن تسربوا عبر الحصون، وتسللوا إلى عددٍ من الثغور، ولم يكتفوا بالعمل خلف الستور في حذفٍ للمؤامرات، وإحكامٍ للتحديات، وتخطيطٍ رهيبٍ، وتنسيقٍ عجيب، ولكن: {يَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة:٣٢]، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:٣٠] وليس ما قامت وتقوم به الصهيونية العالمية الماكرة، والصليبية الحاقدة، بخافٍ على كل ذي لبٍ من المسلمين: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة:٦٤].