للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العبادة حياة للأرواح]

العبادة نعمةٌ لا يحس بها إلا من حرمها، اسألوا الماديين، واسألوا الذين ذاقوا من متع هذه الحياة وشهواتها ما ذاقوا، ركبوا ما ركبوا، ولبسوا ما لبسوا، وتمتعوا بكل أمور هذه الحياة؛ ولكن كما قال الله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:١٢] ثم ماذا؟ إن لم يتربع الإيمان في سويداء قلوب الناس، وإن لم يشرفوا بالإيمان والعبودية لله الواحد الأحد، وإن لم يصلوا له عز وجل، ويتصلوا به في كل يوم وليلة خمس مرات، فإن ذلك معناه قضاء على الحياة الحقيقية، قضاء على الحياة التي لا تكون إلا بحياة الروح، وحياة الفكر حياة الإيمان، وحياة العقيدة.

من هم الناس بدون الإيمان؟!

ومن هم الناس بدون العقيدة؟!

ومن هم الناس بدون العبادة لله عز وجل؟!

وحوش في غابة، أو بهائم في زريبة، بينما إذا كانوا مؤمنين موحدين حقاً يتحلون بحلية الإيمان، يلتزمون تعاليم الإسلام، يطبقون في أنفسهم أعظم نظام عرفته البشرية، ولن تعرف أحسن منه إلى قيام الساعة، ولهذا ينبغي أن نعلم أن المخدوعين المنهزمين الذين ابتلوا بعقدة التأثر بأعداء الإسلام، ويطالبون أمة الإسلام بالتخلي عن هذا الدين، إنما هم أعداءٌ لنا في عقيدتنا، وأعداءٌ لنا في ديننا، وأنهم في الحقيقة يريدون تعاستنا، وأنهم حسدونا على ما نحن فيه من إيمان، وعلى ما نحن فيه من إسلام، فلن يكون عزٌ لهذه الأمة، ولا نصرٌ، ولا توفيقٌ، ولا سعادةٌ، ولا هدايةٌ في أمور الدين والدنيا إلا بتحقيق الإسلام، وهذه حقيقة مثبتةٌ في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وليس في قلوبنا مثقال ذرة من الشك في هذا، بل كلنا يقين، وكلنا اعتقاد إلا أننا نخشى أن يتأثر بعض أبناء المسلمين بهذه الدعاوى الجوفاء التي يطلقها إما بأقلامٍ، أو بأصوات بين الفينة والأخرى أناسٌ حاقدون على الإسلام، وإن تسموا باسم الإسلام، وأناسٌ منبهرون بأعداء الإسلام، وأناسٌ أُشربت قلوبهم والعياذ بالله بالعاجلة، وآثروها على الآجلة.

ثبتنا الله وإياكم على طاعته، وهداهم إلى الحق، فإن نعمة الهداية لهذا الدين لا يحس بها إلا من حرمها الذين ينادون اليوم بالرجوع إلى الإسلام، والذين جربوا كل شرٍ وفتنةٍ ورذيلةٍ، ذاقوا من متع هذه الحياة ما ذاقوا، وانغمسوا في الشهوات ما انغمسوا، ثم ماذا؟ يحسون بفراغ! يحسون بنقص! ما حصل الاكتئاب والقلق والاضطراب والتوتر وكثر الأطباء النفسيون إلا لما ضعف الإيمان في النفوس، ولما ضعفت العبادة وتحقيقها في نفوس أهل الإسلام وفي نفوس الناس جميعاً.

ولهذا المجتمعات الإسلامية التي طبقت الإسلام هي من أقل الناس أمراضاً وأوبئةً، ومن أقلها جرائم، ومن أسعدها حياةً، ونحن ولله الحمد والمنة في هذه البلاد من باب التحدث بنعم الله ننعم بهذه النعمة، ونحس طعم الإيمان في الحقيقة، ونحس الحياة السعيدة التي هي حياة الكتاب والسنة، ولكننا مع كل ذلك على خطر، أعداءٌ حاقدون، وأمورٌ يريد أعداء الإسلام تحقيقها حسداً من عند أنفسهم، ولكن أملنا في الله عز وجل، ثم في يقظة أبنائنا وإخواننا أبناء العقيدة الذين تربوا عليها لا يمكن أن يتنازلوا عنها يوماً ما؛ لأنهم جربوها، وأصبحوا ولله الحمد والمنة دعاةً لله، وأصبحت وبفضل الله ترى في كل مكان، وفي كل ثغر من الثغور، وفي كل بقعة من البقاع من يصدع بهذه العقيدة، ومن يدعو بهذه الدعوة، ومن يتمثل هذا الإسلام تمثلاً حقيقياً، وهذا من بشائر دين الله، ومن بشائر نصرة دين الله.

وهنا أطمئن الجميع أن الذين يأسون على مستقبل المسلمين، وعلى أوضاع المسلمين، ويطلقون الآهات تلو الآهات على ما وصل إليه واقع الأمة المتردي عليهم ألا ييأسوا من روح الله، وعليهم أن يبشروا ويتفاءلوا، فالله عز وجل ناصرٌ دينه، والناظر في تاريخ المسلمين، وفي تاريخ الأمم يجد أن الأمم مهما بعدت عن دين الله عز وجل، فإن الله بلطفه وكرمه ومنته يخرج منها طائفة في كل مكان تصدع بهذا الدين، وتقوم به، وتمتثل أمره حتى في البلاد التي تقول: لا إله، أصبحت اليوم تسمع لا إله إلا الله، وينطلق الأذان مدوياً عبر مآذنها، لما سقطت جميع الشعارات التي أثبتت إفلاسها، ولم تقدم السعادة للبشرية، ولم تحقق الحياة الإنسانية كما يقولون، فالحياة الإنسانية الكريمة حياة الطهر والعفاف والمبادئ والقيم والأخلاق لا تتحقق إلا في ظل الإسلام، أما إذا قصد بالحياة الإنسانية حياة العهر والخنا والرذيلة، فهذه في الحقيقة حياة بهيمية أكرمنا الإسلام أن نقع في حضيضها وفي مستنقعاتها.