[مسيرة الشيخ عبد الرزاق عفيفي]
أيها الأحبة: عَلَمُنا اليوم؛ علمٌ لا كالأعلام، وأقولها بصراحة؛ لأنها عن خبرةٍ وتجربة، وإني لا أكتمكم أن الفرائص ترتعد، وأن الأعصاب تهتز، وأن الدموع تكاد تنسكب، وأن الأفئدة تكاد تضطرب، ونحن نتحدث عن رجل قدَّم لأمته ومجتمعه، وقدم للعالم نتاجاً علمياً وجهوداً جبارة، أصبحت عند كثير من الناس في طي النسيان والكتمان مع شديد الأسف:
لعمرك ما الرزية فقدُ مالٍ ولا شاةٌ تموت ولا بعيرُ
ولكن الرزية فقد شهمٍ يموتُ لموته بشرٌ كثيرُ
...
وما كان هُلْكه هُلْك واحدٍ ولكنه بنيان قومٍ تصدعا
الشيخ العلامة والحبر الفهامة شيخنا؛ الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله من الجيل الذي يُعَد من بقية السلف الصالح رحمهم الله، الذين عرفهم هذا العصر، علماء عاملين، وأئمةً ربانيين، ومجاهدين في سبيل العقيدة الصحيحة وفي سبيل نشرها وبذلها وتعليمها للأمة.
الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله أئمةٌ في إمام؛ إمامٌ في الحديث، لا يُشَّق له غبار، وإمامٌ في الفقه لا يجارى، وإمامٌ في الأصول لا يبارى، وإمامٌ في اللغة، وإمامٌ في علم التفسير وعلم القرآن، رحمه الله رحمة الأبرار وجمعنا به في دار كرامته، إنه جوادٌ كريم {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:٦٩].
إن العناصر التي يُتَحَدَّث عنها عند سيرة أي علَمٍ من الأعلام ينبغي أن تكون عناصر متكاملة، ولكن ماذا عساي أن أقول عن اثنتين وتسعين سنة من الجهاد والدعوة والعلم والتعليم والخير بجميع جوانبه، عن اثنتين وتسعين سنة من هذا الجهاد الكبير؟! ماذا أقول في ستين دقيقة أو في تسعين دقيقة؟!
إنني لا أريد أن أطيل، وأنا أعد بذلك في أول هذه المحاضرة؛ لأنني لن أوفِ شيخنا -رحمه الله- حقه، لكني أؤكد أن هذه المحاضرة ما هي إلا إشارةٌ ومفتاح، ونعيش فيها مع دقائق مباركة، من سيرة شيخنا رحمه الله، وحينما نتكلم عن سيرة شيخنا لا يهمنا في حياته الجانب الأسري، ولا يهمنا في حياته الجانب النظري، ولا يهمنا في حياته جانب أكله وغذائه وجانب أموره الشكلية، ورغم أنني سأذكر ذلك، ولكن يهمنا ما هو أهم من ذلك كله وهو: منهج الشيخ رحمه الله في عقيدته، ومنهجه في العلم، ومنهجه في التعليم، ومنهجه في النشر والبذل والعطاء، ومنهجه في الدعوة إلى الله عز وجل، ومنهجه ومواقفه من ولاة الأمر، وموقفه من العلماء، وموقفه من الجماعات العاملة في حقل الدعوة الإسلامية، ومواقفه من أمورٍ شتى، تبين غزارة علم الشيخ وسليم منهجه رحمه الله.
سأتناول في الحديث باختصار عن شيخنا رحمه الله، بل سنعطر أسماعنا وسنتوج لقاءنا هذا بذكر شيءٍ من حياته في ضوء النقاط الآتية:
أ- اسمه ونسبه.
ب- مولده ونشأته.
جـ- طلبه للعلم وجهوده في ذلك.
د- نبوغه المبكر وذكاؤه وحفظه.
هـ- تخرجه ومؤهلاته.
وأعماله في التدريس والدعوة.
ز- أخلاقه وصفاته.
ح- خَلْقُهُ وخُلُقُهْ.
ط- شيوخه وأقرانه وتلاميذه.
ي- منهجه في العلم والتعليم والدعوة والعقيدة وجهوده في ذلك.
ك- احترامه لغيره وموقفه من المخالفين.
ل- مواقف ولطائف في حياة الشيخ رحمه الله.
م- ابتلاؤه وصبره.
ن- ثناء الناس عليه، وثناؤه على غيره.
س- زهده وورعه وتقواه وصلاحه وبُعده عن الأضواء والشهرة.
ع- عمقه في العلم وتأصيله.
ف- مكانته العلمية وجهوده العملية.
ص- مرضه ووفاته.
ق- جنازته وعزاؤه.
ر- نتاجه العلمي ومؤلفاته، ومنهجه في ذلك.
ش- أولاده ومخلفاته ومراثيه وما قيل فيه من ذلك.
ت- ثم أخيراً نزف إليكم بشرى ونقترح مقترحات تليق بحياة شيخنا وعلمه ومنزلته رحمه الله.
وأنا أجزم أن هذا الكلام يحتاج إلى ساعاتٍ طويلة، لكني أبشركم أنني لن آخذ في هذا كله أكثر من نصف ساعة، وأجعل لأسئلتكم النصف الآخر أو ما هو أقلّ من ذلك؛ لأنني لا أحب أن أثقل عليكم، ومهما قلتُ من الحديث والكلام فلن أوفي الشيخ حقه، وسأحيلكم إلى بعض المراجع في ذلك، ليستفيد مَن رَغِب الاستزادة من علم الشيخ ومنهجه رحمه الله.
وبادئ ذي بدء أقول: إن كلام أصغر تلاميذ الشيخ فيه لا يوفيه حقه، فهذا المقام الذي أقفه اليوم أمامكم للحديث عن سيرة عالِمِنا المبجل، وإمامنا المفضل الشيخ عبد الرزاق رحمه الله لا ينبغي أن يحدث أمثالي عن أمثاله:
لا تعرِضَنَّ بذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
ما المتحدث عن فضيلته رحمه الله إلا أصغر تلاميذه، وفي علمائنا اليوم وفي كبار علمائنا مَن هُم مِن أبر تلاميذ الشيخ وأوثقهم صلةً به، فالشيخ بذل جهده ودعوته، وتعليمه قبل أن يولد المتحدث أمامكم، فكيف أتحدثُ عن شيخي رحمه الله وأنا لَمْ أُدْرِك إلا سُنَيَّات عمره الأخيره؛ لكن هو حسن ظنٍ من إخواننا في مركز الدعوة، وهو الحقيقة حرصٌ على أن يفي تلاميذ الشيخ بمكانته وبحقه علينا، وعذري لكبار تلاميذه أنهم اليوم يتسنمون مناصب علمية وإدارية في الأمة قد تحول مشاغلُهم عن الحديث في الشيخ رحمه الله، لكن ذلك جهد المقل، وعسى أن يكون فيه خيرٌ وبركةٌ إن شاء الله.