للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ظاهرة قطع ذوي الأرحام]

وإذا كان هذا في حق الوالدين فما بالكم بموقف هؤلاء من الأقارب والأرحام؟!

{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:٢٢ - ٢٣].

لقد وصل الحال ببعض الناس أن يمتلئ قلبه غيظاً وحقداً على أقاربه وذوي رحمه فيقاطعهم، بل يعاديهم ويخاصمهم بل يقاضيهم، ويتمنى لهم الموت الزؤام من أجل أمرٍ تافهٍ حقير يتعلق بحفنة من الحطام، أو وشاية غرٍ لئيم، أو زلة لسان، أو شجارٍ بين الأطفال، فتمر الأشهر والسنوات وقلبه يغلي عليهم، ونفسه تموج غلاً ضدهم كما يموج البركان المكتوم، فلا يستريح إلا إذا أرغى وأزبد، وآذى وأفسد، وانبلجت أساريره بنشر المعايب، وإذاعة المثالب، وسرد القبائح، وذكر الفضائح، وتلك لعمر الحق من دلائل الصغار واللؤم وخسة الطبع وقلة المروءة لدى أقوامٍ لا يتلذذون إلا بالإثارة والتشويش، ولا يرتاحون إلا بالتحريش والتهويش.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: المؤمن لا يطالب، ولا يعاتب، ولا يضارب.

إن غليان مراجل القطيعة في المجتمع لا سيما بين أبناء الأسرة وذوي الرحم والقربى، وطغيان المآرب الشخصية، والمصالح الذاتية أدواءٌ فتاكة إذا تمكنت من جسد الأمة أثخنتها، فهي مصدر كل بلاء، وسبب كل عداء، ومنبع كل شقاء، بل هي السلاح البتار الذي يشهره الشيطان ضد القلوب فيفرقها والعلاقات فيمزقها، في غلياناتٍ شيطانية، وهيجاناتٍ إبليسية إذ أرخي لها الزمام، وأطلق لها الخطام، قضت على حاضر الأمة ودمرت مستقبلها، وإذا تنافر ود القلوب كسرت زجاجات التواصل، وتمكن الشر في النفوس، وعاد الناس ذئاباً مسعورة، ووحوشاً كاسرة: {يَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد:٢٥].