للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المعاصي وعقوبتها]

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قضى بالخير والعزِّ لأهل الطاعة والإيمان، وبالذل والهوان لأهل الشر والعصيان، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله وحبيبه وصفيه وأمينه على وحيه، بشر وأنذر، وبلغ وأسدى ونصح، وجاهد ودعا، فلم يترك خيراً إلا دل أمته عليه، ولا شراً إلا حذرها منه، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الذين ساروا على هديه والتزموا شريعته، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون: اتقوا الله ربكم وأطيعوه، وراقبوه دوماً ولا تعصوه.

عباد الله: لقد مَنَّ الله على هذه الأمة وجعلها أمة هداية وقيادة وسيادة، اختارها الله لأشرف رسالاته، واجتباها فبعث فيها أفضل رسله، وأنزل عليها أعظم كتبه، ووعدها النصر إن هي نصرت دينه، وبالكرامة والعزة إن هي تمسكت بطاعة ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم.

وقد كان لشرف هذه الأمة شرف قيادة العالم قروناً طويلة، ثم انتزعت قيادتها، ودالت دولتها، وتداعى عليها أعداؤها، وتتابعت عليها المصائب، وتلاحقت عليها المحن والنوائب، وشغل هذا الواقع المزري والوضع المتردي بال الغيورين من أبناء هذه الأمة المتطلعين لمستقبلها المشرق، وغدها المبهج بإذن الله، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ما الذي دهانا معشر المسلمين؟!

وما الذي أصاب أمتنا فذلت وهانت؟!

ما الدواعي والعوامل التي أوصلتها إلى حضيض الغبراء بعد أن كانت في ذرا العلياء؟!

ما الذي جرها إلى هذا المنحدر السحيق، وطوح بها في أعماق هذا الواقع الغريق؟

والجواب الذي لا يختلف فيه اثنان، هو: أن سبب ذلك كله الوقوع في الذنوب والمعاصي، ومما لا يقبل الجدل أن لله تعالى في هذه الحياة سنناً لن تتغير ولن تتبدل وتتحول في الكون أو الخلق، أو في حياة الأفراد والأمم والشعوب، فالأمة التي تسير على شرع الله ونهج رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ تصل إلى مبتغاها، وتنال مناها، والله يسددها وينصرها ويرعاها، وليس بين الله وبين أحدٍ من خلقه حسب ولا نسب، وإذا تركت الأمة أمر ربها وخالفت أحكام دينها، وتنكبت صراط رسولها؛ سلك الله بها طريق العناء والشقاء حتى تراجع دينها، وما أهون الخلق على الله إن هم أضاعوا أمره، وجاهروا بمعصيته، وقصروا في أحكام دينه، وهل عذبت أمة من الأمم في القديم والحديث إلا بسبب ذنوبها: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:١١] {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:٣٠] وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله تعالى يغار وغيرة الله تعالى أن يأتي المرء ما حرم الله عليه}.