للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أخلاق الشيخ عبد الرزاق عفيفي]

أما أخلاق الشيخ وصفاته: فكان رحمه الله مثالاً في الخُلُق الحسن، ومثالاً في الورع والزهد، لا يعرف الأضواء البته، حتى إن كثيراً من الناس لا يعرفون الشيخ؛ لأن الشيخ ليس صاحب شهرة، ولا صاحب أضواء، وكم يأتيه الإعلاميون من أرباب الصحافة والإذاعة والتلفزة وغيرها ليخرجوه للأمة، لكنه رحمه الله يؤثر التواضع والبعد عن الأضواء والشهرة احتساباً، وحتى يكون بعيداً عن الرياء، وحتى يزداد تواضعاً إلى تواضعه رحمه الله.

أما احترام الشيخ لغيره: فكان يحترم المخالِف بشكلٍ كبير، يحترمه أمام الناس وإن خالفه -هذا في مسائل الفروع طبعاً- ففي مسائل الفروع لا يحجر على أحد، حتى إن طلابه ليتمردون عليه أحياناً في الرسائل العلمية، ويقولون له: يا شيخ! نحن نخالفك في هذه المسألة؛ فيقول: أنتم أحرار، وأنتم وما ترون، هذه رسالتكم واكتبوا ما ترونه، لكنَّ رأيي كذا ودليلي كذا، والذي أراه كذا، فيقنعُ بالحجة والبرهان والدليل دون إزعاج، ودون جَلَبة، ودون ضوضاء، ودون انتصارٍ لرأيه، وبدون ردودٍ عقيمة لا تجدي شيئاً، وأيضاً بدون إسفافٍ في القول، أو تَنَزُّلٍ إلى الكلام في أعراض الناس.

كان عفَّ اللسان رحمه الله عن أعراض الناس، ولا يتكلم إلا بخير، ولا يُرَى إلا ذاكراً لله، معلماً، أو باذلاً للعلم، أو داعياً إلى الله، ولا يسمح لأحدٍ أن يتحدث في مجلسه في أعراض الناس، بل إنه يرى للناس فضلهم وسبقهم، ولا يسمح لأحدٍ أن يتحدث في أعراض الناس أمامه، ومجال النصح مشروع، ومع ذلك كان من أنصح الناس للناس، وإذا رأى على أحدٍ خطأً أو ملحوظةً نبهه على ذلك بحسن أدب، وحسن منطق، وبحجة وبرهان، لا ينتصر لنفسه ولا لرأيه، ولا يسُفُّ في التعامل مع المخالف أو يرميه بالكلام البذيء والفاحش من القول، بل يدعو بالتي هي أحسن عليه رحمة الله، حتى إن بعض تلاميذه في رسائل الماجستير والدكتوراه لَيثبتون أنهم يخالفونه في مسائل، ومع ذلك يجلُّهم ويقدرهم ويحترمهم ويجعل ذلك منهم مزيةً على غيرهم؛ لأنهم متمكنون وحريصون على إثبات شخصيتهم العلمية.

أما الموقف من المخالف -إذا كان في أمور الاعتقاد- فإن الشيخ رحمه الله لا يجامل أحداً، ولا يعرف المداهنة، لكنه يداري -والمداراة محمودة، والمداهنة مذمومة- لا يداهن وجيهاً لجاهه، ولا غنياً لغناه، ولا شريفاً لشرفه، ولا كبيراً لكِبَره ومنزلته، لكنه يبين بالحسنى، ويتلطف مع الناس بالأسلوب الحسن، ويصل إلى ما يريد بالأسلوب المناسب، حتى مع الجماعات المخالفة يبين ما لها وما عليها، عليه رحمة الله.

وهناك مواقف ولطائف في حياة الشيخ، وفي تحصيله وبذله، وفي نشره للعلم، وفي معرفته وفراسته رحمه الله.

الشيخ رحمه الله ذو بالٍ واسع، ورجلٌ موسوعي، رجلٌ مهيب، أخلاقُه وخُلُقُه وخْلْقُه جَبَلَه الله على أحسن ما جبل عليه عباده الصالحين.