للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هداية القرآن للبشرية]

الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، أحمده تعالى وأشكره، جعل القرآن تبياناً لكل شيء، وهدىً ورحمة وبشرى للمسلمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنزل كتابه هداية للعالمين، ورحمة للمؤمنين، وشفاءً لما في صدور الناس أجمعين.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي كان خُلُقه القرآن يحل حلاله ويحرم حرامه، ويعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، الذين ساروا على نهجه واقتفوا أثره، وتمسكوا بهديه، فعزوا وسادوا وملكوا وقادوا، وقهروا وذادوا، وعلى من عمل عملهم، ولزم سننهم إلى قيام الساعة.

أما بعد:

فيا إخوة الإسلام! ويا أمة القرآن: اتقوا الله تعالى حق تقواه.

عباد الله: لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم، وأنزل عليه خير كتاب لخير أمة أخرجت للناس، يهديهم لأقوم سبيل وأهدى طريق، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن الله، هو الملاذ عند الفتن، وهو المنقذ عند المصائب والمحن، فيه -يا عباد الله- نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبارٍ قسمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله، ومن التمس العز بغيره أذله الله، ومن طلب النصر بدون التحاكم إليه أرداه الله، هو حبل الله المتين، وهو الصراط المستقيم، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوم، لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يَخلق عن كثرة الرد، ولا يشبع منه العلماء، ولا تنقضي عجائبه، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجر، ومن دعا إليه هدي إلى صراطٍ مستقيم، تكفل الله لمن قرأه وعمل بما فيه، ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ومن تركه وهجره ونسيه؛ خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين قال عز وجل: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:١٢٣ - ١٢٧].

وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته عام حجة الوداع: {وإني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي} أخرجه الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه وأرضاه.

وقد امتن على عباده بإنزال هذا الكتاب العظيم، قال جلَّ جلاله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:٥٧].

وقال سبحانه وتعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:٨٩].

وقال سبحانه: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة:١٥ - ١٦].

وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [النساء:١٧٤ - ١٧٥].

وقال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء:٩].

وقال: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} [الإسراء:٨٢].

وقال: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [فصلت:٤٤].