للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة الاستقامة]

وفسرت الاستقامة -يا عباد الله- بأنها لزوم طاعة الله تعالى، فلا يسمَّى الإنسان مستقيماً ولا يستحق هذا الشرف العظيم، وهذا التكريم، إلا إذا كان ملازماً لطاعة الله عز وجل في جميع شئونه، وفي كل حالاته، في عقيدته وعبادته ومعاملاته وأخلاقه، وفي سلوكه في بيته وسوقه، وفي بيعه وشرائه، وفي أقواله وأفعاله، وفي جميع حركاته وتصرفاته، مقتدياً بسلف هذه الأمة المستقيمين على هذه الشريعة، متأسياً بسيد الأولين والآخرين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

إخوة العقيدة، أينما كنتم وحيث ما حللتم: إن الاستقامة تعني أول ما تعني، الاستقامة على العقيدة الصحيحة، عقيدة السلف الصالح، عقيدة أهل السنة والجماعة، فلا يستحق صفة الاستقامة من دنس هذه العقيدة أو شابها بشوائب الشرك، وشوائب البدع والخرافات، فأين الذين آثروا الشرك على الإيمان، والبدعة على السنة، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، في أمور العقائد والعبادات، والمعاملات والأخلاق؟ أين هم من الاستقامة؟! هل هؤلاء مستقيمون؟! شتان بين مشرقٍ ومغرب {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى:٢١].

أين الذي استخفوا بشريعة الإسلام في مجالس التطبيق والتحكيم؟ أين هم من الاستقامة؟!

أين الذين رضوا بالرذيلة بدل الفضيلة، واستمرؤا سفاسف الأخلاق، ومساوئ العادات، وقتلوا أوقاتهم بها، وأفنوا أعمارهم فيها؟!

أين هم من الاستقامة على شريعة الإسلام التي جاءت بمكارم الأخلاق والشيم، ومحاسن الأمور وفضائل الأعمال؟!

أين كثيرٌ من المنتسبين اليوم، الذين آثروا الحياة الدنيا، ونسوا الدار الأخرى، واشتغلوا بجمع الدرهم والدينار، وغرهم زخرف الحياة الدنيا، فلا يبالون بما يجمعون ولا بما ينفقون، يكذبون ويظلمون، يغتابون ويرابون، لا يعرفون لبيوت الله طريقاً، ولا لأحدٍ حقاً، بالله الجبار جل جلاله يغترون، وعلى محارمه يجترئون، ولأهوائهم يتبعون، لا بموعظة يتعظون، ولا بمزدجرٍ يفيقون؟ نعوذ بالله من قسوة القلوب، وضعف الإيمان إنه نعم المعين.

أين الأفواج الهائلة من شباب المسلمين اليوم، الهائمين على وجوههم، الحائرين في أمورهم، الذين اغتروا بصحتهم وفراغهم وغناهم، واشتغلوا بما لا يرضي الله عز وجل، من لهو القول والعمل، ومن الضلال والفساد، ولا حول ولا قوة إلا بالله؟! هل هؤلاء مستقيمون؟!

أين كثيرٌ من نساء المسلمين اليوم، اللاتي خُدعن بدعاة الفتنة والضلال، فآثرن الخروج من البيوت، والاختلاط بالأجانب، والتبرج والسفور على القرار والحياة، والعفاف والحكمة؟!

أين هن من الاستقامة، واقتفاء آثار أمهات المؤمنين المسلمات، المؤمنات، القانتات، التائبات، العابدات، السائحات، ولسن المتبرجات، الكاسيات العاريات، المائلات المميلات، الضالات المضلات كما هو الواقع اليوم؟

!

فاتقوا الله أيها المسلمون! استقيموا على شريعة الله عز وجل، وانتبهوا لأنفسكم {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:٩٦].

اللهم وفقنا لما يرضيك، وجنبنا أسباب سخطك ومعاصيك، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وارزقنا الاستقامة فيها على شريعتك، والسير على صراطك المستقيم، اللهم أصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه يغفر لكم، وتوبوا إليه يتب عليكم، إنه يحب التوابين وهو الغفور الرحيم.