للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الواجب عند المحن]

أيها الإخوة في الله: لا ريب أنكم تسمعون وتدركون ما تموج به الساحة في هذه الأيام، ولكن -أيها الإخوة في الله- ما واجب المسلمين حيال هذه الأحداث؟

إن الواجب يتلخص في الكلمة السامية التي أعلنها ولي أمر هذه البلاد حفظه الله في دينه، ونصره بشرعه، حيث بين خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ونصره والمسلمون على أعدائهم، بيَّن حفظه الله ما ينبغي للمسلمين حيال هذه القضايا التي جدَّت على ساحة الأمة الإسلامية.

ولن يكون ذلك -أيها الإخوة- إلا بعودة المسلمين جميعاً إلى كتاب الله سبحانه، والالتزام بحدوده جل وعلا، والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه، والسعي للإصلاح بين المسلمين {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:٩].

لقد جاءت هذه الكلمة السامية نبراساً لهذه الأمة في هذه المرحلة بالذات، وكانت بلسماً شافياً، ودواءً ناجعاً، وطريقاً واضحاً للسالكين.

إنه -أيها الإخوة- بإعداد القوة حماية للدين والأموال والأعراض، والأنفس والأوطان: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال:٦٠].

إنني من هذا المكان المبارك أؤيد باسم المسلمين جميعاً هذه الكلمات الناصحة من ولي أمر هذه البلاد -حفظه الله بشرعه وأعزه بدينه، ونصره والمسلمين على أعدائهم- فما عليكم -أيها الإخوة في الله- إلا أن تراجعوا دينكم، وتطيعوا ولاة أمركم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩] وتعدوا القوة المعنوية، قوة الإيمان بالله، وقوة العقيدة الإسلامية الصحيحة، والالتزام بالإسلام، والتمسك بدين الله عز وجل، وتعملوا جاهدين لإعداد أنفسكم مادياً وحسياً وتدريبياً، لتكونوا أعضاء نافعين عند حدوث الملمات، وعند حدوث المصائب والمشكلات على أوطانكم ومجتمعاتكم.

فهذا واجب كل مسلم -أيها الإخوة- أن يسعى لهذه القضايا المعروفة، وأن يجدَّ في تحقيقها، وأن يراجع حساباته، وأن يستفيد من الدروس والعبر، التي تمليها ما جد على ساحة الأمة الإسلامية، وإنني بعون الله واثق أن ما حصل للمسلمين ما هو إلا ابتلاء وامتحان، وقضاء وقدر، ينبغي علينا أن نتدرع بالصبر والإيمان، وقوة التوكل على الله، والجد للإصلاح بين المسلمين، والتعاون على البر والتقوى، وتحقيق مبدأ الأخوة في الله، بمساعدة من يستحق المساعدة، ونصرة المظلوم على الظالم، وكل ذلك أمر ينبغي أن يقوم به المسلمون {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠] {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى}.

وإن المسلمين لواثقون بوعد لله، وواثقون بنصر الله وأنه ناصر دينه، ومعلٍ كلمته، ومعز أولياءه، ولكنه يبتلي عباده بالنعم، ويبتليهم بالنقم لعلهم يراجعون ربهم، ويتوبون إليه، فتوبوا إلى ربكم -أيها الإخوة- جِدوا في إصلاح أنفسكم، التزموا بدينكم، ارضوا بما قضاه الله وقدَّره، واسعوا بالعناية بأنفسكم حماية لها، ولأسركم، ولمجتمعاتكم، ولدينكم، ولأمتكم الإسلامية جمعاء؛ لتكونوا أعضاء صالحين، ولبنات قوية في بناء المجتمع المسلم.

نسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يهيئ لأمة الإسلام من أمرها رشداً، ونسأله أن يعزها بالإسلام، وأن يحفظها بالإسلام، وأن يقيها من شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يكبس من أراد أن يعكر صفو أمن المجتمعات الإسلامية، أن يكبس جهوده ومخططاته، وأن يجعل كيده في نحره، وأن يكفي بلاد المسلمين عدوان الغاشمين وتربص المتربصين إنه جواد كريم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.