للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحج منطلق لإعلان التوحيد الخالص لله]

فأهم المقاصد والغايات، وأعظم الحكم والواجبات، أن يكون الحج منطلقاً لإعلان التوحيد الخالص لله، فلا أنداد ولا شركاء، ولا شفعاء ولا نظراء، وأن يكون مرتكزاً لتجديد دعوة إبراهيم عليه السلام، وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، ودعوةً إلى الحنيفية السمحة التي لا تعلق لها إلا بالله وحده، استسلاماً لله، وانقياداً لعقيدة التوحيد، وإذعاناً لطاعة الله ورسوله، وبراءةً من كل مبدأ يخالف نهج الكتاب والسنة، ومن كل عقيدةٍ لم يكن عليها سلف هذه الأمة.

أمة الإسلام! ضيوف الرحمن، وفود الملك العلام إن القاعدة التي تبنى عليها العبادات والأصل الذي ترتكز عليه الأعمال، وبدونه تكون هباءً منثوراً هو أساس هذا الدين، تحقيق التوحيد لله رب العالمين، وإنه محادة الله بإشراك غيره معه، لهو أظلم الظلم، وأصل الضلال.

فيجب على كل مسلم يرجو ثواب الله، ويخاف عقابه، ويحب نجاته يوم العرض على الله أن يعلق آماله بالله وحده، وينبذ كل ما سواه كائناً ما كان، وإنه لمما يبعث على الأسى، ويدعو للأسف أن يغبن كثيرٌ من الناس، فيجهلوا هذا الأساس، يتعبون أبدانهم، ويتركون أوطانهم، ويتجشمون المصاعب، ويتكبدون المشاق، ولكن على غير النهج السليم المستقى من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هل استشعر كل من أراد شد الرحال إلى هذه البقاع الطاهرة هذا الأصل العظيم؟ وهل حقق هذا الأساس المتين؟

لا بد من وقفةٍ حازمةٍ مع النفوس أيها الحجاج، ألم تقرءوا آيات الحج الواردة في كتاب الله عز وجل، وتتأملوا أعمال الحج من الطواف والسعي والتلبية، والرمي، وما إلى ذلك؟ إنها تؤصل في النفوس المسلمة هذا الأساس العظيم، كلها تدور حول إفراد الله بهذه العبادة، والتحذير من الشرك، اقرءوا إن شئتم قوله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً} [الحج:٢٦] وقوله سبحانه وتعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [الحج:٣٠ - ٣١] وقوله جل وعلا: {فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا} [الحج:٣٤].

فهي دعوةٌ من الله سبحانه، ودعوة رسله عليهم الصلاة والسلام، ثم دعوة كل مؤمنٍ موحدٍ أن تُسْتَلْهم صحة العقيدة وسلامة التوحيد وإخلاص الدين لله من هذه الآيات الكريمة، وهذه العبادة العظيمة، وإنَّ تَوَجُّه العبد الضعيف إلى غير الله في سؤالٍ، أو دعاءٍ، أو ذبحٍ، أو توسلٍ واستغاثة، أو ادعاء أن أحداً من دون الله يشفع عند الله، لهو من مصادمة الفطرة، ومخالفةٍ للملة، ومجانبة العقيدة والسنة: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} [الزمر:٤٤].

إن في الحج يا عباد الله ولاءً خالصاً لله، وانقياداً تاماً لدين الله، لا مجال فيه لدعوة غير الله، وإعلان ولاءات لغير الله، ورفع هُتافاتٍ وشعاراتٍ مخالفةٍ لشرع الله، وعمل تجمعاتٍ وتظاهرات تخرج بالحج عما شرع الله وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم.