للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المبادرة بالتوبة النصوح]

يا أخوة الإسلام! اتقوا الله واستمروا على الأعمال الصالحة، وابدءوها حياة جديدة، وتوبوا إلى ربكم عز وجل توبة نصوحاً، فإنه يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التحريم:٨] فهذا هو موسم التوبة يا عباد الله.

أيها الإخوة في الله: إن التوبة إلى الله عز وجل واجبةٌ على الفور، لا يجوز تأخيرها، أو التثاقل عنها، أو التسويف فيها، فإن تأخير التوبة ذنبٌ يحتاج إلى توبة، وقد رتب الله على التوبة الصادقة الفلاح والسعادة: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:٣١] {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود:٣].

وإن التوبة لن تكون نصوحاً مقبولةً حتى تكون خالصةً لله عز وجل، بأن يكون الباعث لها حب الله وتعظيمه ورجاء ثوابه والخوف من عقابه، ولن تكون التوبة مقبولة حتى يقلع صاحبها عن المعصية، فليست التوبة أن يقول الإنسان بلسانه: أتوب إلى الله، وهو مصرٌّ على معصية الله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٥].

يا عباد الله! ليست التوبة أن يقول ذلك، وهو متهاون غير مبال بما جرى منه، من معصية الله، وليست التوبة أن يقول ذلك وهو عازمٌ على أن يعود إلى معصية الله، ومخالفة أمره، فلن تكون التوبة مقبولة حتى تتم فيها هذه الشروط، فلا تقبل توبة تارك الصلاة حتى يؤديها، ولا تقبل توبة فاعل الجرائم حتى يقلع عنها، ولا بد أن تكون التوبة قبل غلق بابها، فإن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، فإذا بلغت الروح الحلقوم، يقول تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [النساء:١٧ - ١٨].

واقتدوا بنبيكم صلوات الله وسلامه عليه، فقد كان دائم التوبة، أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة} وعن الأغر بن يسار المزني رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب في اليوم مائة مرة} رواه مسلم.

فإذا كان هذا عمل رسولكم، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، فكيف بحالكم أنتم، وقد رانت عليكم الذنوب العظيمة، وطغت في مجتمعكم، وانتشرت في باديكم وحاضركم! فما أحرانا -أيها المسلمون- أن نصدق التوبة مع ربنا، فكفانا بعداً عن الله، وكفانا ما نحن فيه، وما أحرى الأمة الإسلامية اليوم أن تبدأ حياة جديدة، بعد هذا الموسم المبارك، في صدق التوبة مع الله عز وجل؛ ليعود لها مجدها وعزتها وحضارتها.

أيها المسلمون! بادروا بالتوبة قبل أن يفجأكم الموت، فيحول بينكم وبينها، وتموتون على معصية الله، ولا تغرنكم الأماني، ولا يغرنكم بالله الغرور، ولا يغركم بسط النعم عليكم، فالموت يأتي بغتة، وثقوا بأن التوبة النصوح تجب ما قبلها من الذنوب مهما عظمت: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الزمر:٥٣ - ٥٩].

اللهم وفقنا للتوبة النصوح، اللهم وفقنا للعمل الصالح الذي يرضيك عنا يا رب العالمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه، فهو خير الغافرين.