[فضل لقاءات الذكر]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا بطاعته، وألزمنا بعبادته، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الذي قال الله فيه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١].
فكان عليه الصلاة والسلام قائماً بعبادة ربه مدة حياته كلها، قام من الليل حتى تفطَّرت قدماه، ودعا إلى الله عزَّ وجلَّ، وجاهد في سبيله، وعبد ربه حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه، الذين ساروا على نهجه، والتزموا سنته، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الإخوة في الله! أحييكم بتحية الإسلام: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
وإنه لمن فضل الله علينا -في هذه الليلة- أن نجتمع في هذا المكان المبارك، في بيت من بيوت الله عزَّ وجلَّ، التي أَذِنَ الله أن تُرفع، ويُذكر فيها اسمه، نجتمع هذه الليلة لا لشيء؛ إلا للتذاكر والتعاون، والتواصي بالحق والصبر عليه، نجتمع هذه الليلة لنتحدث حول موضوع مهم وخطير، لا ينفك عنه المسلم لحظة واحدة، وهو وإن كان معروفاً عند كثير من الناس، إلا أن تطبيقه لا يقوم به إلا أصحاب الهمم العالية.
فاجتماع المسلمين في بيوت الله عزَّ وجلَّ لإحيائها، وذكر الله فيها، وتدارس العلم النافع، والتذكير بما يجب علينا؛ من أهم الأمور التي يجب على المسلمين أن يعتنوا بها، وكلما ابتعد المسلمون عن بيوت الله -سبحانه- أو عطلوا رسالتها، أو تساهلوا في القيام بواجبهم تجاهها، كلما أبعدوا النجعة عن صراط الله عزَّ وجلَّ.
فبيوت الله -سبحانه وتعالى- ينبغي أن تُفتح أبوابها، وتعود رسالتها، ومن رسالتها: إقامة هذه الندوات، والمحاضرات، وهذه الكلمات التي يحضرها من أراد الله به خيراً، يؤثرها على شهوات دنياه، يُؤثر الجلوس في هذه الأماكن الطيبة، على مجالس الدنيا، وإعمارها بالقيل والقال، وإشغالها بما لا يرضي الله عزَّ وجلَّ.
وهنيئاً للحاضرين بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل فيما أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: {وما اجتمع قوم في بيتٍ من بُيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده}.
فأي بشارة أعظم من هذه!
إن تحقيق واحدة من هذه الخصال خير من الدنيا وما فيها، أن تتنزل على الحاضرين الرحمة، وتغشاهم السكينة، وتحفهم الملائكة، ويذكرهم الله -عزَّ وجلَّ- في الملأ الأعلى خير من الدنيا وما فيها.
فواجب على المسلمين، وعلى علمائهم، وعامتهم، وشبابهم، ونسائهم، أن يحيوا مثل هذه اللقاءات الطيبة؛ لتصقل قلوبهم بذكر الله عزَّ وجلَّ؛ فإن الدنيا بشهواتها وزخرفها قد رانت على قلوب كثير من الناس، وأغفلتهم عن واجبهم، وأبعدتهم عن رسالتهم، فأصبحوا يعملون لها، ويركضون وراءها، ويجتهدون في البحث والتنقيب عنها بأي طريق، وما مقامهم في هذه الحياة إلا مقام قصير، فيجب عليهم ألا ينسوا رسالتهم التي خلقوا من أجلها، وواجبهم الذي أوجدوا من أجله؛ فإن المسلم -كما تعلمون- إنما خلق لرسالة عظيمة، ولواجب كبير، وللقيام بأمانة عظيمة، ألا وهي موضوع حديثنا الليلة.
إن موضوعنا الذي نريد الحديث حوله يدور حول موضوع العبادة لله عزَّ وجلَّ.
عبودية المسلم لربه، ما معناها؟
وما مفهومها؟
وما مقتضياتها؟
وما واجب المسلمين نحوها؟
وما الآيات والأحاديث التي جاءت بذكرها، والتنويه بشأنها؟
وما آثار هذه العبادة وآثار القيام بها على الأفراد والمجتمعات؟
وما الآثار السلبية التي يورثها تساهل المسلمين وتقاعسهم عن القيام بهذه الغاية المهمة؟
وما الأسباب الوخيمة والآثار العظيمة التي تترتب على انحسار مفهوم العبادة في مجتمعات المسلمين؟
حول هذه العناصر وغيرها، نريد أن نتحدث هذه الليلة، سائلين الله -عزَّ وجلَّ- أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ونسأله تعالى أن يفتح على الجميع مغفرته ورحمته، ونسأله تعالى أن يوفقنا للعلم النافع، والعمل الصالح، والبصيرة في دينه، إنه جواد كريم.