للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معالم وركائز المشروع الحضاري]

اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، أحمدك ربي وأشكرك على إنعامك وإحسانك وتوفيك وامتنانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، بعثه بالحق بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله! فإنها خير شعار، وأفضل دثار، وبها النجاة من سخط الجبار، ودخول الجنة دار القرار، وعليكم بالجماعة؛ فهي طريق الأخيار، وحاذروا مسالك الأشرار والفجار.

أيها الإخوة في الله! من ملامح هذا المشروع الحضاري ومعالمه وركائزه؛ ليرسم طريق الخلاص للعالم من الواقع البئيس الذي يعيشه: أنه رباني عالمي، وسطي سلفي، أخلاقي إنساني حضاري، إيجابي شمولي واقعي، ترتبط الأصالة فيه بالمعاصرة، يلتزم المصداقية بلا تضخيم، والواقعية بلا انهزامية، والشفافية بلا تهريج.

الإنصاف رائده، والعدل حاديه، والتسامح أسلوبه وقالبه، يعمل على حشد الطاقات في الأمة لا على تحديدها، يسلك مسالك الإخلاص للخالق والرفق والرحمة بالمخلوقين، يتسم بالعقل والتسامح والحكمة، ويحاذر الصلف والعنف والتهور والشطط، وبذلك تحقق أمتنا الريادة الحضارية وتستعيد أمجادها التاريخية، وتتخلص من أزماتها الخانقة، وتصلح أوضاعها المتردية بإذن الله.

أيها الإخوة في الله: ولعل أولى الخطوات في ذلك: الرجوع إلى الذات، ومحاسبة النفس، والوقوف طويلاً للمراجعات، تصحيحاً في المعتقد، وسمواً في الخلق والسجايا، وسلامة في الاتباع، ومحاذرة للابتداع، ومعالجة لجوانب النقص التي دخلت على الأمة في عقيدتها ومنهجها، وأن تلتزم الأمة نور الوحيين ومنهج القرون المفضلة، وألا تجعل من أيام وليالٍ مخصوصة، مناسبات وعبادات لم يكن عليها سلف هذه الأمة رحمهم الله، كما يعتقده بعض الناس في شهر رجب وليلة السابع والعشرين منه.

يقول الإمام الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله: لم يصح في فضل شهر رجب ولا في ليلة معينة منه -لا ليلة سبع وعشرين ولا غيرها- حديث صحيح يصلح للحجة، ولو صح لم يجز تخصيصها بعبادة لم يكن عليها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.

وبمثله قال جمع من المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن رجب، والشوكاني وآخرين.

فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! إنها فرصة للحوار مع الذات، فهي البنية التحتية للحوار مع الآخر، وما لم تصلح الأمة ما بينها وبين ربها، وما لم تتصالح فئاتها وفعاليتها على الكتاب والسنة، لن تستطيع أن تتصالح مع الآخرين، فضلاً أن تقدم ذلك للعالم بأسره.

إن الصدق في الطرح، والجهر بالفكرة، والوضوح في الرؤية؛ من أهم سمات مشروع الأمة الحضاري، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون ذلك بأسلوب التعصب والكراهية، ولهجة العنف والشدة، ولغة الحقد والتشنج، بل بأسلوب الرحمة والشفقة، والعدل حتى مع المخالف: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨].

إن الفرصة متاحة للأمة في طرح ما لديها من عقيدة وموروث حضاري للعالم بأسره، ولا يفت في عضدها كثرة الفتن والابتلاءات، وهي الطريق إلى المعالي والمكرمات، وإن في طيات المحن لمنح، وفي ثنايا البلايا والرزايا منناً وعطايا.

الله الله في العمل الجاد، والجهد الفاعل البَنَاء، ووضع آلياتٍ عملية ودراسات ومراكز أبحاث استراتيجية بعيدة المدى؛ لمواجهة هذه الحملات المغرضة، وكان الله في عون العاملين المخلصين لدينهم وأمتهم، ومجتمعهم وبلادهم، إنه جواد كريم {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:٨٨].

ألا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبيكم محمد بن عبد الله؛ فقد أمركم بذلك ربكم جل في علاه، فقال تعالى قولاً كريماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن آله الأطهار، وصحابته الأبرار، المهاجرين منهم والأنصار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم كن له على الحق معيناً وظهيراً ومؤيداً ونصيراً، اللهم ارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين.

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك وجميع سخطك، اللهم اجعل لنا وللمسلمين من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية.

اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! نسألك أن تنصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين وكشمير والشيشان، اللهم احفظ المسجد الأقصى من الصهاينة المعتدين، اللهم احفظ المسجد الأقصى من الصهاينة الغاشمين، اللهم أخرجهم منه أذلة صاغرين يا ذا الجلال والإكرام!

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للدين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين!

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المسلمين، والحمد لله رب العالمين.