للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكمته ورفقه بالناس في الدعوة]

وهاكم -رعاكم مولاكم- أنموذجاً على حكمته في الدعوة ورفقه بالمدعوين، ورحمته بالناس مسلمين وغير مسلمين: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:١٠٧].

ومراعاته لحقوق الإنسان، بل ورفقه حتى بالحيوان في وقت تتغنى فيه حضارة اليوم بدوس كرامة الإنسان، وراعيةً أحط حيوان!! والله المستعان.

ويتجلى هذا الأنموذج الرائع في قصة الأعرابي الذي بال في ناحية المسجد حين نهره الصحابة -رضي الله عنهم- فقال صلى الله عليه وسلم: {دعوه لا تزرموه - أي: لا تنهروه-}، وقال لهم صلى الله عليه وسلم: {إنما بُعثتم مبشرين ولم تبعثوا معسرين} وأرشده برفق وحكمة، وكانت النتيجة أن قال الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، متفق عليه.

وفي قصة ثمامة بن أثال حينما أسر وربط في سارية المسجد وهو مشرك وكان سيد قومه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمر به ويقول: {ماذا عندك يا ثمامة؟ فيقول: عندي خير يا محمد! إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، فيقول صلى الله عليه وسلم بعد أن أكرمه ورفق به، وأحسن معاملته: أطلقوا ثمامة، فانطلق ثمامة فاغتسل ثم دخل المسجد وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، والله يا محمد! ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك اليوم أحب الوجوه كلها إليّ، وما كان من دينٍ أبغض إليّ من دينك، وأصبح دينك اليوم أحب الدين كله إليّ، والله ما كان من بلدٍ أبغض إليّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليّ} خرجه الشيخان.

الله أكبر! تلك آثار الدعوة بالرفق والرحمة والحسنى، والبعد عن مسالك العنف والغلظة والفظاظة، وهو درس بليغ للدعاة إلى الله إلى قيام الساعة:

بنيت لهم من الأخلاق ركناً فخانوا الركن فانهدم اضطراباً

وكان جنابهم فيها مهاباً وللأخلاق أجدر أن تهاباً

ولما قيل له عليه الصلاة والسلام: ألا تدعو على المشركين؟

قال: {إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة للعالمين} أخرجه مسلم.

وقال لهم: {ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، اذهبوا فأنتم الطلقاء}.