للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حالنا مع الإخلاص]

وانظر -أيها اللبيب- إلى أحوال الناس في ذلك، واعلم أنَّ تعثر كثيرٍ من طلبة العلم ومن الدعاة إلى الله، ووقوع كثيرٍ من الناس في مآزق كلُّ ذلك قد يكون ابتلاءً وامتحاناً من الله، وقد يكون لحظوظ النفس شيء وأثرٌ في ذلك، ولا يتهم أحدٌ من المسلمين، ولا نخوض في مقاصد الخلق، لكن هذه سنة ماضية، وسنة جارية، منذ بزوغ فجر الدعوة وإلى اليوم.

وانظروا! إلى الأثر البارز لرجالٍ ودعاة وعلماء في هذه البلاد وفي غيرها، نفع الله بهم البلاد والعباد، وظلوا سنين بل عشرات من السنين والله ينفع بهم، ولدعوتهم وعلمهم أثرٌ وصدىً وقبول، وهذا دليل إخلاصهم وصدقهم ولا نزكي على الله أحداً؛ لكن ينبغي أن نعلم أن قضية الإخلاص قضية مهمة.

فحاسب نفسك يا عبد الله! ويا طالب العلم! ويا أيها الداعية إلى الله! ويا أيها المسلم! ويا أيها التاجر الثري! ويا أيتها المرأة المسلمة! ويا أيها الشاب! ويا أيها العامل للإسلام في أي موقع! ويا أيها المسلم أياً كان مكانك! انظر في نفسك وانظر في إخلاصك وحاسبها في هذا الجانب المهم {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:٣].

واعلم أن الله لا يقبل منك علماً، ولا عملاً، ولا عبادةً، ولا دعوةً، ولا سلوكاً ولا أخلاقاً؛ إلا إذا كنت مخلصاً فيه لوجه الله تبارك وتعالى، مبتعداً فيه من الرياء الذي هو محبطٌ للعمل: {أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر! فُسئل عنه؟ فقال: الرياء} أخرجه مسلم في صحيحه.

فنحن على خطر أيها المسلمون أيها العلماء أيها الدعاة أيها الخطباء أيها القراء! علينا أن ننظر إلى إخلاصنا لله، وإلى تعاملنا مع الله.

لننظر هل الذي يدفع في العلم والعمل والدعوة هو رغبة الناس كثرتهم جمهرتهم، ليقول الناس عني كذا وكذا أم أني أعمل ابتغاء وجه الله رضي الناس أم سخطوا؟

أين الأسئلة التي يسألها الإنسان نفسه في هذه القضايا المهمة؟

وما أحوجنا -والله- في وقتٍ أصبحت نيات كثيرٍ من الناس مدخولة، يُطلب العلم لكن للشهادات، وللوظيفة! أين العلم لوجه الله؟

أين الذين يثنون ركبهم، ويحنون ظهورهم، ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى؟

قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة} أي: ريحها، خرّجه الإمام أحمد وأهل السنن، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فالأمر خطير.

وكذلك العقيدة والإيمان، والتوجه إلى غير الله، وما يفعله كثيرٌ من الناس عند حلول المرض، أو عند حلول فتنة أو بلية أو مصيبة أن يذهب إلى الدجالين والمشعوذين يسألهم من دون الله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد} أخرجه أهل السنن.

ويقول في حديثٍ عند مسلم: {من أتى كاهناً أو عرَّافاً فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يوما} الأمر خطير جدُّ خطير، أن ينعم الله عليك وأن يرزقك ويكلأك بالنعم وتتوجه إلى غيره، وتعلم أن هؤلاء لا يجلبون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، فكيف يملكون ذلك لغيرهم؟ {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:٥ - ٦].

والعبادة من صلاة، وزكاة، وحج، وصوم، وفرائض، ونوافل، لا تصح إلا إذا كانت خالصة لوجه الله، فكم هم الذين يصلون لأجل أن يراهم الناس في المساجد!

وكم هم الذين يُحسنون صلاتهم لما يرون من نظر الناس إليهم!

وكم هم الذين يتصدقون ليقال: تصدق التاجر الفلاني بكذا! وكم من يعمل الأعمال الصالحة لغير وجه الله تبارك وتعالى! فالأمر خطير.

أيها الإخوة! وكم هم طلبة العلم لغير الله؟ يطلبون العلم ليقال علماء، ليقال: طلبة علم ليقال: متحدثون ليقال: عندهم علمٌ، وعندهم قدرة، وعندهم فصاحة وطلاقة، ليظهر أمرهم عند الناس يتعلمون ليقال: الدكتور الفلاني، يتعلمون لأجل منصبٍ أو وظيفة أو عملٍ من الأعمال، يتعلم العلم ليُجاري به العلماء، وليُماري به السفهاء، ليُجادل، ليقال عنه كذا وكذا.

أما الدعوة فأمر الإخلاص فيها مهم غاية في الأهمية، لأن الدعوة دين وقربة، ويجب أن تكون خالصة لوجه الله، فالداعي لا يدعو لكثرة أتباعه، ولا لكثرة أفراده، ولا لجماعته ولا لحزبٍ ما، ولا لمذهب ولا لمشرب، إنما يدعو إلى الله وكفى بالله سبحانه وتعالى، فينبغي أن يدعو إلى الله وعلى منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكم هم الذين يسعون للشهرة أو للتحدث أو ليقال؟! قالوا: كذا وكذا وعملوا كذا وكذا.

فينبغي أيها الإخوة أن نتواصى ومنا الدعاة وطلاب العلم، والشباب، والأجيال، ينبغي أن نتواصى في شأن الإخلاص، وأن نحرص عليه، وأن نذكر به، وأن نربي عليه أبناءنا وإخواننا، وأن ندعوا دائماً إليه، لأنه لا قبول للعمل إلا به، فالثلاثة الذين تُسَّعر بهم النار يوم القيامة " عالمٌ قارئ، ومجاهد، ومتصدق منفق" لكنهم عملوا لغير الله، فهم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة والعياذ بالله!

أحاديث ونصوص، ينبغي أن تذكر الغافل وأن تنبه الجاهل، وأن تبين لكل ذي لب، أنه ينبغي أن يعاود نفسه، كذلك ينبغي أن يكون الإخلاص رائدنا في كل أحوالنا.