إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أَمَرَنا بإخلاص التوحيد له، وأوجب علينا طاعته وعبادته، وحذرنا من الإشراك به والوقوع في معاصيه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى، وحبيبه وخليله المجتبى، أرسله بالحق بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً ودعا إلى الدين الحق عقيدةً وشريعةً، عبادةً وأخلاقاً ومنهجَ حياة، دعا عليه الصلاة والسلام لتثبيت العقيدة ثلاثة عشر عاماً في مكة، وواصل ذلك في المدينة، وما ذاك -أيها المسلمون- إلا لأن العقيدة هي القاعدة والأساس والأصل لدين الإسلام، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته وتمسك بسنته إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المسلمون في هذه البقعة المباركة: أيها المسلمون في أرجاء العالم الإسلامي بأسره! اتقوا الله عز وجل واشكروه على ما مَنَّ به عليكم مِن نعمة الإسلام.
عباد الله: اعلموا -رحمكم الله- علمَ يقينٍ يتبعه عمل أن أوجب الواجبات على العبد معرفة توحيد الله عز وجل وما يضاده ويناقضه من الشرك، ولاسيما في هذا الزمن الذي طغت فيه موجات الفتن والشهوات والشبهات، وفي هذا العصر الذي قامت فيه أعاصير الفسق والفساد، وانتشر فيه الجهل واتباع الأهواء، وكثرت الفرق والطرق الضالة والمذاهب والأحزاب المنحرفة {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[المؤمنون:٥٣] وثارت فيه براكين الإلحاد والكفر والزندقة والمنكرات والبدع والمعاصي والخرافات، وتكتَّل فيه أعداء الإسلام والمسلمين -على اختلاف مللهم- على الأمة الإسلامية حتى كبرت المحنة وعظمت المصيبة وعاد الإسلام غريباً بين أهله، ومِن هنا زادت الأهمية وعظم الواجب على العباد في تحقيق التوحيد بأنواعه -توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات- وإخلاص العبادة لله وحده، والبُعد عن الشرك ووسائله وأسبابه، والحرص على سد الذرائع والطرق الموصلة إليه.