العالم للأمة بدرها الساري، وسلسالها الجاري، لا سيما أئمة الدين، وعلماء الشريعة؛ ولذلك كان فقدهم من أعظم الرزايا، والبلية بموتهم من أعظم البلايا، وأنَّى للمدلجين في دياجير الظلمات أن يهتدوا إذا انطمست النجوم المضيئة.
صح عند أحمد وغيره من حديث أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إنما مثل العلماء كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة}.
يقول الإمام أبو بكر الآجري رحمه الله:"فما ظنكم بطريقٍ فيه آفات كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء، فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم، فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت فئامٌ من الناس لا بُدَّ لهم من السلوك فيه فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ أطفئت المصابيح فبقوا في الظلمة، فما ظنكم بهم؟ فهكذا العلماء في الناس".
وحسبكم يا عباد الله! في بيان فداحة هذا الخطب، وعظيم مقدار هذه النازلة، قول المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما:{إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً؛ اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا}.
ويُوضح ذلك ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {تظهر الفتن، ويكثر الهرج، ويقبض العلم} فسمعه عمر فأثره عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:[[إن قبض العلم ليس شيئاً يُنتزع من صدور الرجال، ولكنه فناء العلماء]].