للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وفاة الإمام أحمد رحمه الله]

وإذا أردنا أن نقلب صفحات حياة هذا الإمام كلها لطال المقام، ولكن حسبنا الإشارة والتذكير وفاءً لعلمائنا وأداءً لبعض حقهم علينا، وربطاً للناس بسيرهم التي ورثوها من المنهج النبوي، واستقوها من معين الكتاب والسنة في بعدٍ عن التعصب المذهبي، والمسلك التحزبي، وفي مجانبة لمسالك الغلو في الأئمة، والجفاء لهم والحط من مكانتهم، وبعد حياة حافلة بالخير بجميع جوانبه، قدم فيها أبو عبد الله جهده وجهاده، وأيقظ في الأمة الاعتزاز في الإسلام، وشدة التمسك بالسنة والمنهج الصحيح.

بعدها مرض بالحمّى، يقول ابنه عبد الله لما حضرت أبي الوفاة، جلست عنده فجعل يغشى عليه ثم يفيق ثم يفتح عينيه ويقول بيده: لا بعد، لا بعد، لا بعد، ثلاث مرات، ففعل هذا مرة ثانية وثالثة، فلما كانت الثالثة قلت له: يا أبتِ! إنك قلت كذا وكذا.

فقال: ما تدري، هذا إبليس قائم حذائي عاضٌّ على أنامله يقول: فتني يا أحمد! وأنا أقول: لا بعد حتى أموت.

قال صالح فجعل أبي يحرك لسانه بالشهادة حتى توفي رحمه الله وله سبعٌ وسبعون سنة وأيام، وقد شهدت جنازته كما تقول كتب السير جمعاً لم يُشهد مثله، حتى قيل أن غير المسلمين أسلموا ذلك اليوم، وكان رحمه الله يقول: قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم الجنائز، وأوصى رحمه الله عند موته لأهله وذريته وللمسلمين خيراً.

تلك صفحاتٌ ناصعة، وذلك غيضٌ من فيض لا يوفيه حقه، وكم من معانٍ يعجز اللسان عن تصويرها، وحياة الإمام كلها معانٍ ومواقف، وحسبه إنه إمام السنة في علمه وعمله ودعوته وجهاده، وأنه حربٌ على الجهل والانحراف والبدعة، وقد خلف للأمة تراثاً علمياً، ومذهباً فقيهاً، له من المزايا والخصائص ما ليس لغيره، فرحمه الله رحمة واسعة، ورفع منزلته في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

وثمة تنبيه أخير: وهو أنه ليس الحديث عن عالم حطاً من مكانة غيره من العلماء فـ أبو حنيفة رحمه الله ومالك والشافعي رحمهم الله وسائر الأئمة لهم حظهم الوافر في خدمة الإسلام وأهله، فرحمهم الله ورضي عنهم.

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير الورى، على النبي المصطفى والحبيب المجتبى، كما أمركم بذلك ربكم جلَّ وعلا فقال عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك، وهيئ له البطانة الصالحة يا ذا الجلال والإكرام!

اللهم وفق ولاة المسلمين للحكم بشريعتك واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم يا سميع الدعاء!

اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم عجل بنصرهم يا قوي يا عزيز.

اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.