للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محبة النبي صلى الله عليه وسلم]

المعلم السادس: أن محبة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم دين يدين لله به كل مسلم، بل هو أمر واجب لا خيار فيه، فهو عليه الصلاة والسلام: إمامنا وقدوتنا وحبيبنا، سيد الأولين والآخرين، ورحمة الله للعالمين، وحبه يفوق حب النفس والأهل والمال والولد، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح عن أنس رضي الله عنه: {لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين} بيد أنه يجب أن تقاس محبته -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- بمقياس الشرع المطهر، وتوزن بميزان النقل الصحيح ومعيار الكتاب والسنة.

فشتان بين المحبة الحقيقة الصادقة وبين المحبة المزيفة المدعاة! وفصل ما بينهما تحقيق المتابعة للمحبوب، وقديماً زعم أقوام محبة الله ورسوله؛ فأنزل الله مطالبتهم بصدق برهانهم في دعوى المحبة بقوله سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١].

فالمحبة الصادقة -يرعاكم الله- تقتضي اتباع سنته، ولزوم منهجه، والتأسي به ظاهراً وباطناً، قولاً وفعلاً واعتقاداً، ومنهجاً وسلوكاً وأخلاقاً؛ لقوله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١].

وأما المحبة المدعاة فهي القائمة على الألفاظ دون المعاني، والمظاهر دون الحقائق، والشكليات دون المعنويات، والادعاء والشقشقة دون العمل والمتابعة، والذكريات والمناسبات في أيام وليال معلومات، دون الاتباع مدى الحياة إلى الممات، فانظر لنفسك أيها المحب من أي الفريقين أنت!

يا أحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم! إن حب الله وحب رسوله عليه الصلاة والسلام أمر كامن في شغاف النفوس، وفي قلوب أهل الإيمان متأصل ومغروس؛ لكن هيهات هيهات أن يكون في سجع المدائح وهز الرءوس!

محبة الله ورسوله عبادة يتقرب بها إلى الله، مقدمة عند أهل الإيمان على محبة كل محبوب، ولما قال عمر رضي الله عنه للحبيب صلى الله عليه وسلم: {والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي.

قال عليه الصلاة والسلام: لا.

والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك.

قال: بل أنت أحب إلي من كل شيء حتى من نفسي.

قال: الآن يا عمر} رواه البخاري.

يقول الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله: ومنزلة المحبة هي: المنزلة التي تنافس فيها المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى عالمها شمر السابقون، وبروح نسيمها تروح العابدون، فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام إلى آخر ما قاله رحمه الله في هذا المقام.

فيا أيها المسلمون! أيها المحبون! لقد عرف سادات المحبين رحمهم الله معنى المحبة وضوابطها الشرعية؛ فوقفوا عند حدود ما جاء به المحبوب صلى الله عليه وسلم، وعلموا أن عصيان أمره ومخالفة منهجه دليل على كذب الادعاء.

هل يجرأ أحد من المحبين أو مدعي المحبة أن يزعم أنه أحب لدين الإسلام ولرسول الإسلام عليه الصلاة والسلام من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن بعدهم من القرون المفضلة؟!

أين العقول المفكرة؟! وأين البصائر الحية؟!

ولكن، صلوات الله وسلامه على الحبيب المصطفى والنبي المجتبى، القائل: {فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة} أخرجه أهل السنن من حديث العرباض بن سارية.

ألا ما أحوجنا أمة الإسلام -وقد انعكست كثير من المفاهيم، وتغيرت كثير من المعايير- أن تحيي في النفوس الحب المنهجي لا الحب العاطفي، وأن يستبدل الحب في الادعاء والمظهر بالصدق في الحقيقة والجوهر، ووالله الذي لا إله غيره إن ما أصاب المسلمين من ذل ومهانة، واختلاف وتفرق، سببه عدم الرجوع إلى المنبع الصافي، والمنهل العذب ما كان عليه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم.