للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ظاهرة العقوق]

أمة الإسلام! إن النظرة الفاحصة لما تعيشه المجتمعات الغربية لتأكد أن أقسى ما تعانيه هذه المجتمعات اليوم هو التفكك الأسري والفردية المقيتة، التي ضاقت بها بيوتهم بعد أن ضاقت بها قلوبهم، ولا عجب أن يطلب أهل الحي فيهم الجهة الأمنية لأن مسناً قد مات، فأزكمت رائحته الأنوف بعد تعفنه دون أن يعلم بموته أحد.

فسبحان الله! عباد الله: إنها الماديات حينما تغلب على القيم والأخلاقيات، والأعجب بل الأدهى من ذلك والأمر أن يسري هذا الداء إلى بعض المجتمعات الإسلامية! وهي ترى بأم عينها كيف أوشكت الأسرة الغربية على الانقراض، فكم نصنع من مظاهر التفكك، وصور الخلل والعقوق في بعض المجتمعات.

فهذا أبٌ لما كبرت سنه ووهن عظمه، واحتاج لأولاده، لم يجد ما يكافئه إلا بالتخلص منه في دور الرعاية وكأن لسان حاله يتمثل قول الأول المكلوم:

غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجني عليك وتنهل

إذا ليلة ضاقتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا ساهراً أتململُ

فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما كنت فيك أأملُ

جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل

فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعلُ

ولما سمع صلى الله عليه وسلم ذلك بكى وأخذ بتلابيب الابن وقال: {أنت ومالك لأبيك}.

وهذا آخر، طاعنٌ في السن يدخل المستشفى وهو على فراش المرض ويعاني من مرارة العقوق والحرمان، ويقول: لقد دخلت هنا منذ أكثر من شهر، ووالله ما زارني أحدٌ من أبنائي وأقاربي.

بل تعدى الأمر إلى ما هو أفظع من ذلك، فهذا مأفونٌ لما بلغت أمه من الكبر عتياً، تبرم وضاق بها ذرعاً، فما كان منه إلا أن أمر الخادمة فأخرجتها خارج المنزل، لتبيت المسكينة على عتبة الباب حتى يحسن إليها الجيران من الغد.

وهذا آخر يطلق النار على أبيه فيرديه قتيلاً من أجل مشادة كلامية، يا ألله! رحماك يا إلهي! أي جريمة ارتكبها هؤلاء العاقون في حق أعز وأقرب الناس إليهم، ويحهم على قبيح فعالهم حتى لكأن قلوبهم قدت من صخر أو هدت من صلب والله المستعان!

ونماذج العقوق والقطيعة في زمن الأعاجيب كثيرة، فأين الرحمة عند هؤلاء والديانة؟!

بل أين المروءة والإنسانية؟!