للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نور الله يسطع في الجزيرة]

الحمد لله رب العالمين، يمن على عباده في كل زمان فترة من المرسلين، بوجود الدعاة المصلحين، والأئمة المهديين، أحمده تعالى وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأستعينه على أمور الدنيا والدين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله الصادق الأمين، الذي أنار الله به الطريق للسالكين، فأعلى منار الحق للقاصدين، وأبان السبيل بناصف الحجج وواضح البراهين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي جماع الخيرات، وسبب البركات، ومصدر الرحمات، ونور الظلمات، وسبيل علو الدرجات، والأمانِ من الدركات، وتكفير الذنوب والسيئات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد:٢٨].

إخوة الإسلام: لقد اقتضت حكمة الحكيم الخبير سبحانه، وهو الرحيم اللطيف بعباده، ألا يخلو زمانٌ من الأزمنة من قائمٍ لله بحجته، مستمسكٍ بدينه وشرعتهِ منافحٍ عن منهاجه وسنتهِ، مدافعٍ عن عقيدته وملتهِ، فأنزل كتبه، وأرسل رسله: {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:١٦٥]، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:١٥] وليس بخافٍ على كل ذي لب ما كان عليه أهل الجاهلية قبل البعثة المحمدية من شركٍ ووثنية، وشقاءٍ وانحطاطٍ ووحشية، وفرقة وشتاتٍ وظلمٍ وهمجية، فبعث الله فيهم خاتم أنبيائه وأفضل رسله، هادياً ومبشراً ونذيراً: {وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} [الأحزاب:٤٦] ففتح الله على يديه الفتح المبين، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، ولم ينتقل عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى حتى دانت الجزيرة بدين الحق، وخفقت راية التوحيد على كثيرٍ من أرجاء المعمورة.